مقدمة:شهد العالم الإسلامي منذ مطلع القرن السَّابع الهجْري هجمة شرسة مدمّرة على أيدي المغول، والذي على أثره قام جنكيز خان المغولي وأتباعه باجتياح المشرق حتَّى تمكَّن من إسقاط الخلافة العباسية بعيد منتصف القرن السابع الهجري.
ولئن كان العالم الإسلامي قد تضرَّر من جراء تلك الهجمة فإنَّ ثمة أعداء آخرين وجدوا في هذه الهجمة فرصة ومتنفسًا لهم، وبخاصَّة إذا علمنا أنَّ هؤلاء وجدوا من المغول كل أنواع التقدير والاحترام، حتَّى تمَّ لهم ما أرادوا، وفي طليعة ذلك السيطرة على مجريات الأمور.
وقد أعجب (
الحكَّام عامَّة) ومنهم المغول ببراعة أهل الذّمَّة في المجالات الإدارية وغيرها، فأنيطت بهم مهمَّات كثيرة، حُرِم غيرهم من المسلمين من القيام بها.
وفي عهد السلطان المغولي أرغون الإيلخاني لقي المسلمون على أيدي أهل الذمة ضروبًا من التنكيل والإهانة، وحرموا من حقوقهم.
وهذا البحث يعالج نفوذ طرفٍ من أهل الذمَّة، وهم اليهود في عصر المغول الإيلخانيين (
مغول فارس).
ولعلَّ أبرز دوافع اختيار الموضوع:1 - العلاقة بين المغول وأهل الذمَّة عمومًا واليهود خصوصًا.
2 - الجشع المغولي في استِنْزاف أموال الدولة عبر الأساليب اليهوديَّة.
3 - الوزير سعد الدولة اليهودي، وسياسته في تصريف أمور الدولة نحو تقريب اليهود في عهد أرغون، وتوضيح ما أُثير حول الإشادة بأعماله أو نفي هذه الأعمال عن اليهود.
4 - الظروف التي نشأ فيها السلطان الإيلخاني أرغون وأحوال المسلمين في عهده.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ هذه الدراسة، وإن كانت تبحث في أحوال اليهود عامَّة خلال هذا العصر الإيلخاني، إلاَّ أنَّها تخصُّ بالمزيد من الدراسة والتحقيق شخصيَّة الوزير سعد الدولة اليهودي في عهد أرغون الإيلخاني، وأعمالهم، وآثارها بعد ذلك.
وعلى كلٍّ، فإنَّ مثل هذه الدراسات لم تحظ باهتمام الباحثين كما ينبغي؛ ولعل ندرة المصادر الخاصة كانت وراء الإحجام عن مثل هذه الدراسات المتخصصة.
لذا آمَلُ أن تساهم هذه الدراسة في فتح الباب أمام الباحثين لدراسات تفصيلية أوسع عن نفوذ آخر لليهود في العصور المختلِفة.
أهل الذمة وعلاقاتهم بالمغول:عندما زحف المغول في غزْوهم للعالم الإسلامي وبخاصَّة المشرق منه، كانت البلاد الإسلامية تعيش حالة من الوهن والتفرُّق والفتن، زيادة على الحروب الدَّاخليَّة والمذاهب المتناحِرة، وكان سقوط بغداد والخلافة العباسيَّة مكمّلاً لهذا الضَّعف، حيث أُصيبتْ هذه البلدان بمحنة قاسية من جرَّاء الغزو المغولي الكاسح.
وقد انتهز المغول أو التَّتار هذه الفرصة، فلم يكدِ العالم الإسلامي يَستريح من هجمات الصَّليبيّين إذ ظهر عليه من الشرق هذا العدوّ الجديد، يقتل ويسبي ويفتك ويدمر ولا يعترف بأي دين أو كيان أو مجد إلاَّ لعنصره المغول.
وقد كانت أمنية أعداء الإسلام أن تسقط الخلافة، وحين حدث السقوط عاشوا في فرح وسرور وبخاصَّة أهل الذّمَّة.
وتمتَّع أهل الذّمَّة بحريَّة إدارة شؤونهم الدينيَّة بصورة كاملة، ولم يكن الحكَّام المغول يتدخَّلون في شعائرهم الدينيَّة، بل نال عدد كبير منهم تقدير الحكام المغول فأسندوا لهم مراكز مهمَّة في إدارة الدولة المغوليَّة.
وقد حقَّق النَّصارى خصوصًا في هذا العصر المغولي عددًا من المظاهر والامتيازات، فقد شجَّع النَّصارى أوَّل خان مغولي وهو جنكيز خان على غزو العالم الإسلامي، وقالوا له كما يشير ابن العبري: "سرْ فإنَّك مؤيَّد"
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وقد تنصَّر عدد من القادة المغول وعلى رأسهم القائد كتبغا، كما كانت أوامر الخان المغولي هولاكو - على الرغم من وثنيَّته - تدْعو إلى احترام المؤسَّسات الدينيَّة التي تنتمي إلى المذاهب الأخرى - غير الإسلام - ومنها الخانقاه
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] التي نشأ بها زين الدّين الطوسي وكنيس اليهود
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وقد غمر هولاكو النَّصارى بأفضاله، فأنشئت في عهده كنائس جديدة في جميع الإمبراطوريَّة الخانية، وأنشَأ عند مدخل دار زوجته طقر خاتون كنيسة تقْرع فيها الأجراس، كما أنشأ مدارس يتردَّد إليها الأطفال لتعلُّم النصرانية
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، ولقي النَّصارى في عهده عطفًا غير محدود، ولعلَّ مردَّ ذلك إرضاء زوجته النصرانيَّة، والَّتي صحبت هولاكو عند هجومه على بغداد
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وكان السلطان أبغا بن هولاكو (664 - 680هـ) قد تزوَّج من ابنة امبراطور روما الشَّرقيَّة، وكانت الفتاة ترغب في الزَّواج من هولاكو قبل وفاته - وبتأثير هذه الزَّوجة دخل أبغا في النصرانيَّة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وأرسلت البابويَّة على أثر ذلك إلى بلاطه عددًا من السفراء لتأكيد هذه العلاقة، وكان خليفة أبغا منكوتمر نصرانيًّا أيضًا
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وفي عهد كيوك (644 - 648هـ) عانى المسلمون أقصى ضروب العسف والتَّنكيل؛ حيث ألقى بزمام دولته إلى وزيريْه النَّصرانيَّين وامتلأ بلاطه بالرهبان النَّصارى
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وعندما دخل المغول مدينة بغداد هلَّل النَّصارى فرحًا وطربًا بعد أن مكَّنوهم من إسقاط المدينة، وكتبوا في نشْوة النَّصر عن سقوط بابل الثانية، وهلَّلوا لهولاكو وزوجته النَّصرانية (
طقز خاتون) كما بارك النساطرة (
ممَّن في حاشية هولاكو) زوال الخلافة العباسيَّة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
كما شارك شعب الكرج
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] (
حول بحر قزوين) قتل المسلمين في معيَّة المغول عند دخول بغداد وهدموا أسوار المدينة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وقد حصل نصارى بغداد وغيرهم من أهل الذّمَّة على الأمان من المغول، حتَّى إنَّ بعض المسلمين لجؤوا إليهم، بل إنَّ المغول وضعوا عليهم حرَّاسًا ليمنعوا الهجوم عليهم، خشية أن تنتهب أموالهم؛ لذلك نجد عددًا من المسلمين لجؤوا إلى النَّصارى فسلِموا
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
بل كما يقال إنَّ الخليفة المستعصم بنفسِه أرسل رجلاً نصرانيًّا ليشفع له عند المغول - وهو الجاثليق
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وقد استطال أمر النَّصارى بعد غزْو هولاكو لها، وأهان الجاثليق النصراني سكَّانها من المسلمين
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وكان بايدو أحد أمراء المغول يكثِر من الاجتماع بكِبار النَّصارى، وكان يعلّق صليبًا فخمًا على عنقه، ويسمح للنَّصارى بأن تكون لهم كنائس في أرجاء الإمبراطوريَّة، وأن يدقّوا أجراسهم في معسكره
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
ولن أستطرِد في هذا الدَّور الذي تميَّز به النَّصارى في العهد المغولي، فقد بلغ الذروة عنصر آخَر من أهل الذّمَّة - في المجالات الإداريَّة والمالية كافَّة - هم اليهود، وسنلْحظ مدى العلاقة الوثيقة بين اليهود وحكَّام المغول وخصوصًا الإيلخانيين
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، واتّفاقهم على المسلمين وحقدهم.
ففي العصر المغولي كثُر اليهود في إيران، فقد أشار حبيب لؤي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] إلى أنَّ اليهود في إيران في العصر المغولي يَزيدون بخمس عشرة مرَّة عن اليهود في العصْر الحاضر، حيث ينتشر أغلبهم في المراكز التِّجاريَّة في مرو ونيسابور وغزنة، وفي نيسابور وحْدها قرابة 57 ألف يهودي.
كما انتشر اليهود في زنجان
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وقزوين
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وأذربيجان
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وكرجستان
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وكان مقرّ كثيرٍ من اليهود مدينة مراغة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] حيث تعدُّ من أكبر المراكز اليهوديَّة وكذا أردبيل
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] الَّذي كان أكثر سكَّانه من اليهود
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. وقدِ اشتغل اليهود يومئذ بالزِّراعة ورعْي الغنم
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
ويعدُّ اليهود مدينة أصفهان مزارًا مقدَّسًا يأتون إليها للزيارة وذلك خلال أشهر الصيف؛ لأنَّ هذا الوقت يصادف عند اليهود أيَّام عبادتهم الصَّوم الكبير
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وممَّا يؤكِّد الانتشار اليهودي في أصفهان، وجود عدد كبير من المقابر اليهوديَّة بها، ومن أشهرها مقبرة تكباحكون (
شرق أصفهان)، حيث كانت مقبرة خاصَّة لليهود، وكذلك مقبرة أُخرى على مسافة ستَّة كيلومترات في شمال شرق أصفهان، كما توجد مقبرة ثالثة في جبل صوفة على بعد ستة كيلومترات كانت مخصَّصة - كما يقال - لأطفال اليهود
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وقد أشار أحد الباحثين إلى أنَّ عدد اليهود الذين يدفعون الجزْية (36000) عند دخول هولاكو بغداد، وكان عدد كنائسهم 16، وفيها لليهود بضعة معاهد دينيَّة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وكان اليهود مع النَّصارى ممَّن كاتب المغول في إسقاط الخلافة العباسيَّة والهجوم على بغداد؛ حيث دلّوهم على عورات المدينة، وشاركوا مشاركة فعليَّة في هذه الكارثة، واستقبلوا التتار الوثنيِّين بالترحاب؛ ليقضوا لهم على المسلمين الذين أعطوْهم ذمَّتهم ووفَّروا لهم الأمن والحماية
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وكانت دُورهم بالإضافة إلى دور الرَّافضة وطائفة من التجَّار بِمثابة دار أمْن لمن التجأ إليها من المسلمين، كما يُشيرُ ابن كثير إلى ذلك في أحداث تلك السنة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وفي هذا دليل على مشاركة اليهود مع المغول في الهجوم على بغداد، وليس كما يشير البعض
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] بأنَّ اليهود لم يرِدْ لهم ذكر خاصّ في واقعة بغداد سنة 656هـ، ولم يميَّزوا بمعاملة خاصَّة من قبل المغول عن غيرِهم من السكَّان!
ويمكن القول بأنَّ هذا الهجوم الهمجي على مدينة بغداد ألْحق بعض الأضْرار حتَّى لمن كان مقرَّبًا من المغول؛ وذاك ناتج من الطبيعة الحربيَّة للمغول، إلاَّ أن الحال قد تبدَّل بهم ولقُوا عناية كبيرة من حكَّام المغول
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] فيما بعد، علمًا بأنَّ تعاليم هولاكو الأساسيَّة عند الهجوم على بغداد تدعو إلى احتِرام المعابد النصرانية واليهوديَّة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وقد وجد اليهود معاملة طيبة لا نظير لها في عهد السلطان المغولي أرغون بن أبغا، الذي ارتقى عرش الدولة الإيلخانية بعد مقتل السلطان أحمد تكدار، وذلك عام 683هـ.
السلطان أرغون المغولي (683 - 690هـ):ينسب أرغون إلى البيت الإيلخاني المغولي (
مغول فارس) الذين حكموا ما يقرب من (82) عامًا، من سنة 654هـ / 1256م إلى سنة 736هـ / 1335م.
وقد ابتدأ حكمهم بهولاكو سنة 654هـ وانتهى بحكم السلطان أبي سعيد بهادر خان بن خدا بنده.
حكم أرغون بعد ثلاثة من أمراء المغول، فقد حكم هولاكو قرابة عشر سنوات ثمَّ خلفه أبغا بن هولاكو بنحو ستَّة عشر عامًا، ثمَّ خلفهما في الحكم السلطان أحمد تكودار مدَّة ثلاث سنوات، وكان أوَّل سلطان مغولي يعتنِق الإسلام
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
ولمَّا اعتلى السلطان أحمد تكدار عرش المغول (680 - 683هـ) عمَّت عدالته المسلمين، وكان أوَّل ما أصدره أن بعث الرُّسل إلى همذان
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لتخْليص علاء الدين عطاء ملك الجويني من حبسه، كما أسند الوزارة إلى الرَّجُل الكفْء الصاحب شمس الدين محمد الجويني، وشمله بكثير من العناية والاهتمام، وقاما بتيْسير مهامّ الدولة وفق شريعة الإسلام، وأبديا اهتمامًا كبيرًا بأهل الفضل، وسعدت الرعيَّة بعدلهما وإحسانهما بفضْل اختياره لهما في ديوانه
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
ويعدُّ أرغون رابع إيلخانات المغول في فارس، حيث تولَّى الخانية من سنة 683هـ - 690هـ (1284 - 1291م)
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وكان أرغون حريصًا على منع خانية فارس من الدخول في الإسلام، حيث كان أرغون بوذيًّا مثلما كان أبوه أيضًا وجدّه هولاكو، وانحاز إلى غير المسلمين فخصَّهم بالوظائف الأساسيَّة في الإدارة المدنيَّة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، كما سيأتي.
وكانت العلاقة سيِّئة بين السلطان أحمد وبين أرغون طوال الفترة الَّتي حَكَمَ فيها السلطان أحمد البلاد المغولية؛ حيث كان أرغون يطمح في استِرْداد عرش أبيه الذي سلبه منه عمُّه أحمد تكدار، حيث كان أرغون غائبًا عند وفاة أبيه أبغا
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
ولذلك قام أرغون بإثارة الأوْضاع الدَّاخلية ضد السلطان أحمد، فقد قام بالاعتداء على أحد ولاة السلطان أحمد في خراسان، وهو وحيد الدين زكي بن عز الدين طاهر
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
ويُشير بعض المؤرّخين إلى أنَّ أرغون كان يتآمر سرًّا مع قنقورتاي أخي السلْطان أحمد، للقضاء على السلطان أحمد
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، فعرف السلْطان بالأمر، فقام بعد تحقُّقه من الأمر بقتْل أخيه قنقورتاي؛ ونتيجة لذلك ثار أبناء أخيه وطلبوا الثَّأر لمقتل والدهم
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
كما قام السلطان أحمد بعد ذلك بإرسال جيش لملاقاة أرغون في خراسان نظرًا لظلمه الأهالي والوالي بها - كما سبق - وكان نهاية الأمر القبْض على أرغون وإيداعه السجن
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
تحرَّكت الأحقاد في نفوس أبناء أخيه، وعدد من الأمراء الطَّامعين في الوصول إلى السلطة وتداولوا الأمر، فشكوا السلطان أحمد إلى الخان الأعظم قوبيلاي خان (658 - 693هـ)، فتآلف أعداء الإسلام وأطْلقوا سراح أرغون من سجنه، وعزموا على قتل السلطان أحمد
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، والثورة عليه.
بلغ السلطان أحمد خبر الثورة عليه من قبل أرغون، وحاول اللجوء إلى (
بركه خان) - أحد أمراء مغول القبجاق - أو القبيلة الذَّهبيَّة، لكن رجال أرغون قبضوا عليه وسلموه لأولاد أخيه قنقورتاي، الذين قاموا بدورهم بقصف ظهره حتى مات، فنصب أرغون نفسه سلطانًا على عرش المغول
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وكمكافأة للأمير بوقا - الذي أعان أرغون - عيَّنه برتبة (
جنكان)؛ أي: أمير الأمراء وخصَّه بتدبير ممالكه، وعيَّن أخاه "
أروق" واليًا على العراق وديار بكر، ورتب أرغون ابنه غازان واليًا على خراسان
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وكان أرغون يطالب بهذا العرش من بداية حكم السلطان أحمد، ويتمتَّع بدعم كبير وتأييد من الجماعات البوذية المتطرفة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] فتحقق له ما أراد.
وقد حمل الأمراء على السلطان أحمد تكدار؛ لأنَّه في زعمهم حمل التتار على الإسلام؛ ولذلك قتلوا السلطان أحمد بصورة بشِعة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] كما سبق.
والحقيقة كما يقول د. محمد عبدالحليم أنَّ مقتله ليس بسبب أنَّه حملهم على الإسلام، مع أنه لم يجبر أحدًا على الدخول فيه بل رغَّب فيه، وما كان التآمر إلاَّ نتيجة للصِّراع بين الإسلام والملل المختلفة كالنَّصرانيَّة والبوذيَّة لاكتساب المغول إلى صفوفهم
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]؛ حيث قام السلطان ببناء المساجد والمدارس وسيَّر قوافل الحجيج إلى مكَّة، وأرسل تكدار سفارة إلى المماليك محمَّلة بالهدايا والتُّحف عام 682هـ
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، كما ترتَّب على إسلام السلْطان أحمد حينئذٍ خلوُّ الديوان من النَّصارى واليهود، وحوّلت المعابد والكنائس إلى مساجد، ورفع راية الإسلام ضدَّ الشامانية والبوذية، وصالح السلطان المملوكي النَّاصر قلاوون
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
ولعلَّ ثورة الأمراء بقيادة أرغون - ممَّن كانوا لا يزالون حريصين على التمسك بعقائدهم وتقاليدهم - رأوا في سياسة تكدار خطرًا يهدد كيانهم ويقوِّض بنيانهم فناصبوه العداء وجهروا بالثَّورة عليه؛ لأنهم عدّوا سلوكه مخالفةً صريحة للياسا
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] (
القوانين المغولية) .
وشارك أهل الذمة من اليهود والنصارى في تأجيج الثورة وتصعيدها مع المماليك المسلمين، وبخاصَّة أنَّ أرغون جعل منهم أوصياء له
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وبمقتل أحمد تكدار قضي على شوكة المسلمين الإيرانيين، الذين قويَ نفوذهم في المدة القصيرة التي حكم فيها السلطان أحمد، واستطاعوا خلالها أن يحدُّوا من نفوذ النصارى والبوذيين وغيرهم
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وعلى العموم، فقد أصبح أرغون الحاكم الجديد للخانية المغوليَّة على إثر مقتل السلطان أحمد، وهو ما كان يطمح إليه في صراعه مع عمه أحمد تكدار.
بدأ أرغون سياسته مخالفًا للسلطان السابق، فألغى كلَّ القرارات والإصلاحات التي أمر بها أحمد تكدار إلى ما كانت عليه أيام جده وأبيه، كما أن البوذية والشامانية والنصرانية واليهودية ارتفع صوتها في إيلخانية إيران من جديد
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وقد اشتهر أرغون بسياسته المعادية للمسلمين وميْله إلى اليهود والنَّصارى؛ ولذلك يقول ابن خلدون: إنَّ السلطان أرغون عدل عن دين الإسلام وأحبَّ دين البراهمة من عبادة الأصنام وانتحال السحر والرياضة له، ووفد عليه بعض سحرة الهند
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، كما أكثر من المعابد البوذية في بلاد إيران واستقدم رهبانها من الهند
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وأعاد عمارة الكنائس التي دمَّرها أحمد تكدار، ومنها كنيسة مراغا
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وإرضاءً للنصرانية أيضًا رحَّب بالتَّحالُف مع الصليبيِّين ضدَّ المماليك لغزْو الشَّام
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وكان أرغون هو صاحب المبادرة إلى هذا التَّحالف ضدَّ المماليك انتقامًا من هزيمة والده (
أبغاخان) في موقعة حمص سنة (680هـ/ 1281م) حيث توفّي والده أبغا بفارس على خبر هزيمة جيشه في تلك الموقعة، والَّتي على أثرها تولَّى أحمد تكدار منصب الإيلخانيَّة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وفي أيَّام أرغون كانت تبريز
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] تعجُّ بالأوربيِّين الَّذين يعملون في خدمة المغول مُستشارين أو مترجمين أو سفراء لهم، أو أعضاء في الجماعات التبشيريَّة الكاثوليكيَّة من الفرسان والدومينكان، أو من التجَّار الإيطاليِّين
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
ويشير رينسمان إلى أنَّ أرغون قدِ اقترح على البابويَّة بعد تولِّيه الخانية المغولية القيام بعمل مشترك ضدَّ المسلمين سنة 684هـ، وكرَّر مطلبه أيضًا بعد عامَين عندما أرسل له سفيره رابان
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، كما سعى أرغون في خطوة أُخرى مع البابويَّة في تخليص بيت المقدس من المسلمين
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وقد رشَّح أرغون رابا صاوما (
أي الحبر الصائم) بتوجيه من بطريق النساطرة في بغداد (
مارك جيلاها) سفيرًا له في أوروبا، وكان صاوما نسطوريًّا قد تعلم ودرس كثيرًا من الكتب الكنسية
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
هذه هي الظروف التي نشأ فيها أرغون وتولَّى فيها حكم الخانية المغولية في فارس، لنرى كيف ارتقى في ولايته اليهود والنصارى، وكان لليهود أثر واضح وملموس في عهْده.
وكان عهده عهد محنة للمسلمين الذين لاقَوا الأمرّين على أيدي البوذيين المتنصرين، واعتمدت الدولة في عهده على ثقة كل من اليهود والنَّصارى تعويضًا عن سخط المسلمين
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
ولذلك أصبح اليهود وغيرهم - من غير المسلمين - من المقربين في بلاطه، وفي مقدّمتهم المؤرّخ رشيد الدين الهمذاني الذي أسلم فيما بعد، كان يعمل طبيباً خاصًّا لوالده (
أبغا) ثم أصبح من خاصته والمقربين إليه
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وكذا وزيره سعد الدَّولة اليهودي الذي عمل أيضًا طبيبًا فنائبًا وحاجبًا لشحنة بغداد
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ثم أصبح الوزير المفوَّض والمتصرّف بأمر الدولة، وأطلق له العنان في حين عمد أرغون إلى الانقطاع عن الاتِّصال بالعالم الخارجي، تاركًا الأمور تجري على هوى وزيره اليهودي ورجاله
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وسنتعرَّف على الدور الذي ظهر به هذا الوزير اليهودي وأثره على المسلمين، وعلى الأوضاع الداخلية والخارجية للخانية كما سيأتي.
الوزير سعد الدولة اليهودي وأحوال المسلمين:كلَّف السلطان أرغون للقيام بأعباء الوزارة في عهده أحد اليهود من أسرة مجهولة الأصل على الرَّغم من يهوديَّته، وهو المعروف بابن الصفي الموصلي - وابن صفي الدين - الأبهري، كان دلالاً في سوق الصناعة في الموصل
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وتعني سعد الدولة بالعبرية "
مردخاي"
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
كان سعد الدَّولة عالمًا بالحكمة، امتهن الطِّبَّ، وأصبح أحد أطبَّاء اليهود في العصر المغولي إلى أن ضمَّه أرغون إلى بلاطه
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وقد مكَّنه دهاؤه وامتهانه الطبَّ من الوصول إلى بلاط المغول
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
تعد شخصيَّة سعد الدولة شخصية مرنة تتَّصف بالسخاء، وتظهره المراجع اليهودية
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] بأنه مؤدَّب في تعامله سياسي مرن، يشجع الفضلاء والعلماء اشتهر بلقب سعد الدولة.
وكان سعد الدولة قد تولَّى في عهد السلطان أحمد الإشراف على المارستان العضدي، ثم عزله السلطان أحمد وسلَّمه إلى العميد زين الدين ضامن تمغات
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] بغداد فقام به أحسن قيام
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وترجع شهرة سعد الدولة عندما مرِض السلطان أرغون، وعرض سعد الدولة خدماته الطبية ووصف له نوعًا من الدواء وأفاد منه
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
تولى أرغون زمام السلطة المغولية، وكانت تعْوزه المقدرة على فهْم الطاقة المالية لبلاده، فقد رغب في الحصول على أكبر كمّيَّة من الأموال من شعبه بشكل خيالي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
فعهد إلى سعد الدولة بذلك، وكلَّفه بالإشراف على إقليم العراق ومفتشًا على ماليتها
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وتلبية لمطلب سيّده أرغون وإرضاء لجشَع هذا الحاكم المغولي، تمكَّن سعد الدولة من استخراج الأموال من أهل الرافدين بشتى الطرق، التي تضمن حصوله على تلك الأموال، فنال استحسان أرغون وعرف في بلاد ما بين النهرين باسم الموظف الصُّلب، وتبيَّن من خلال ذلك مدى كفاءته وإخلاصه، فكلَّفه بالوزارة المغولية في عهده
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
ابتدأ سعد الدولة أمره متظاهرًا بالعمل على نشر الإسلام، وأراد من ذلك أن يَستميل قلوب الناس إليه، فأظهر اهتمامًا بالغًا بالحجاج حيث عرض في رسالة وجهها إلى بغداد أن تقدم لهم المساعدة، ولكسب ودّ العامَّة أمر أن تجري الأحكام وفْق شريعة الإسلام
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، حيث كان رجلاً فطنًا
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، حتى شعر الجميع بالأمن والاستقرار حتَّى إنَّ الشعراء والأدباء انخدعوا فبالغوا في مدحه والثَّناء عليه بقصائد كثيرة، واشترك كثير من العرب والعجم في ذلك بقصائد وأبيات منها:
لا زِلْتَ يَا مَوْلَى الزَّمَانِ وَأَهْلَهُ فِي النَّاسِ رَبَّ مَوَاهِبٍ وَمَدَائِحِ
سَعْدُ السُّعُودِ لِكُلِّ دَاعٍ مُخْلِصٍ وَلِكُلِّ مَنْ يَشْنَاكَ سَعْدُ الذَّابِحِ
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]أراد أن تسير الأمور في البداية بما يكفل ثقة السلطان والمجتمع فيه؛ حيث أمر ولاتهم وموظَّفيه أن يبتعدوا عن ظلم الرَّعيَّة، وأظهر حسن النّيَّة؛ فلذلك نجد الهمذاني
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] يصِف سعد الدولة بأنَّه ماهر في تدبير شؤون الديوان وضبط الأموال، ولم يدَّخر وسعًا في السعي والاجتهاد ولم يُهْمِل شاردة ولا واردة في تلك الشؤون، وبخاصَّة أنَّه خبير بشؤون مدينة بغداد كبيرها وصغيرها وأصبح ملازمًا الحضرة.
وبسبب هذه المكانة - التي تبوَّأها سعد الدولة - زاد من تجبُّره واستبداده، فمكن اليهود في بلاطه ورفع مِن قدرهم حتَّى استعلوا على غيرهم، بل قلَّلوا من شأنهم، وأثبتوا في بادئ الأمر مدى إخلاصهم وتضحيتهم للسلطان والمجتمع.
ولذلك نجد أقرانه من اليهود يُثيرون وشاية عند السلطان حول سعد الدَّولة، وقصدهم في ذلك إظهار سعد الدَّولة بمظهر الموظف المخلص المتفاني في عمله، وقالوا عنه إنَّه لم يشاركهم ويتغيب عنهم، وفي فراغ دائم في الديوان، فكانت هذه الوشاية كما يقول خواندمير
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] سببًا في تحقيق آمال سعد الدولة بالقرب من السلطان؛ فلذلك أمر أرغون أن يكون سعد الدولة ملازمًا لبلاط السلطان مقرَّبًا منه، وذلك بعد أن أمن الناس حسن نيته، وأخفى ما كان يهدف إليه حتى يكون في موقع يستطيع فيه الأمر والنَّهي والتنفيذ.
فقد أورد كثيرٌ من المؤرخين
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] أن سعد الدولة بدأ يدبّر مخطَّطه بدهاء مستغلاً ثقة السلطان فيه، وبخاصَّة بعد أن أضحت دفَّة الأمور بين يديْه وتحت استشارته، وأصبح الآمر الناهي، بدأ يستبدّ لما يتمتع به من سلطان ونفوذ مطلق، فبادر بطرد الموظَّفين المسلمين من البلاط المغولي وحرمهم من جميع المناصب التي كانوا يشغلونها كالقضاء والمالية، كما حرم عليهم الظهور والمثول بين يدي السلطان أو في بلاطه.
ومن أشهر قضاة بغداد الَّذين عزلهم نجم الدين ابن أبى العز البصري الذي كان قد عيَّنه سعد الدولة مدرسًا بنظاميَّة بغداد
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وكذلك القاضي نجم الدين عبداللَّه القوساني، وعفيف الدين ربيع الكوفي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، كما منع المسلمين من المشاركة في الوظائف العسكريَّة أو الجيش
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
ولم يكْتفِ بذلك، بل تعصب لأقاربه وأبناء ملَّته اليهود فولاهم المناصب المهمَّة في الإمبراطورية، وعلت مكانتهم، فعيَّن أخاه فخر الدولة نائبًا للوزارة وواليًا على العراق، وكان يُضرب به المثل في الجهل كنسبة الحكمة إلى أفلاطون
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وجعل نصر بن الماشعيري اليهودي مساعدًا له وأصبح النائب في الديوان والمشار إليه بتولي الأمور، ورتب معهما جمال الدين الدستجرداني كاتبًا
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
أمَّا أخوه أمين الدولة فقد عيَّنه حاكمًا على الموصل وماردين وديار بكر وربيعة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، كما عين أقاربه في حكم أكثر الولايات، حيث عين لبيد بن أبي الربيع في بعض مناطق أذربيجان، وولَّى حكم ولاية فارس شخصًا آخر من أقاربه هو شمس الدولة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وأوكل مهمَّة الإشراف على تبريز إلى ابن عمّه مهذب الدولة ابن منصور الطَّبيب
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وكانت تربطه بسعد الدولة علاقة نسب، كما تعاون مع يهوديٍّ آخر باسم رشيد الدولة، وكان مع سعد الدولة يتولَّيان أمور إدارة الأرزاق
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
ومما زاد الأمر سوءًا قيام السلطان أرغون بإصدار أمره بأن لا يعرض الأمراء عليه أمرًا إلاَّ بعد أخذ مشورة سعد الدولة، كما فوَّض إليه إدارة جميع مصالح الولايات ورعايتها، فقام هذا الوزير بظلم الأقاليم والولايات بدرجة فظيعة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
ولكي يتقن عمله ويكون على اطّلاع بالواقع اختلط بالترك والفرس، وتعرَّف على لغاتهم وعاداتهم، وتسنَّى له الوقوف على حقيقة العمال والمتصرفين في أموال بغداد
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
بلغ من تأثير اليهود على الإمبراطوريَّة المغولية أن قام اليهود بتحريض الحكام المغول في الوقوف أمام العلماء المسلمين، ومن ذلك القضاء على الوزير جلال الدين السمناني - بأمر من السلطان المغولي - الَّذي يعدُّ من أفضل العلماء، وكانت لهذا الوزير اليد الطولى في تنظيم شؤون الدولة في بداية عهد أرغون، وقيل إنَّ مقتله كان بتحريض من سعد الدولة اليهودي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وقتل معه الخواجة شمس الدين محمد الجويني وتعقَّب فيما بعد أولاده واحدًا بعد الآخر
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، حتى عمَّ جميع أفراد الأسرة، ويرجع بعض المؤرخين سبب ذلك إلى أنَّ شمس الدين الجويني كان يقِف في صف السلطان أحمد تكدار في ديوان الإمبراطوريَّة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، الذي يعده السلطان أرغون عدوه اللَّدود.
وفي ظلّ ولاية أرغون ووزارة اليهود قام بعض اليهود بالطَّعن في الإسلام، مستفيدين من النَّشاط الفكري الواسع الذي تشهده الولايات الإسلامية؛ حيث قام بعضهم بكتابة مؤلفات ورسائل للنَّيل من الإسلام، وممَّن ذكر منهم في هذا المجال، عز الدولة سعد بن منصور بن سعد بن الحسن بن هبة اللَّه المشهور بابن كمونة الإسرائيلي (ت 683هـ) من أشهر علماء اليهود خلال هذا العصر الإيلخاني وأبرز شخصيَّة علمية يهودية، كان مبرزًا في فنون الآداب وعيون النكت الرياضيَّة والحساب، يقصده الناس للاقتباس من فوائده
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
ألَّف ابن كمونة كتاب "
الأبحاث عن الملل الثلاث"، تعرَّض فيه للنبوَّات لدرجة أنَّ ابن الفوطي تعوَّذ باللَّه من شرّ ما أورده من أقوال، فتحرَّكت الغيرة في نفوس العامَّة وهاجوا واجتمعوا لكبس دار ابن كمونة وقتله، وشكَوا الحال إلى شحنة بغداد، ولكن تخطيط اليهود فاجأ العامَّة حيث نقل ابن كمونة في صندوق مجلد وحمل إلى مدينة الحلة، حيث كان ولده اليهودي أيضًا كاتبًا بها، وبعد أيَّام مات ابن كمونة هناك
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
الجدير بالذكر أنَّ الإدارة المغوليَّة تعهَّدت للعامَّة بمحاكمة ابن كمونة، لكنَّها تستَّرت عليه، ولما هدأت ثورة العامَّة نقل بعد ذلك! وبقي ابنه اليهودي كاتبًا في الحلَّة.
وفي هذا دلالة على ما كانت تتمتَّع به الحلة حينئذ من منزلة علميَّة وتنوّع فكري
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وكانت بين ابن كمونة ونصير الدين الطوسي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] مراسلات في أمَّهات المسائل الكلاميَّة والمنطقيَّة والفلسفية، وقد أثار كتاب ابن كمونة "
تنقيح الأبحاث في الملل الثَّلاث" نقاشًا وجدلاً كثيريْن وتعرَّض للرد والنقض، وله مؤلَّفات أخرى في الفلسفة والمنطق والكيمياء وغيرها، مثل "
التذكرة في الكيمياء" و "
شرح الإشارات والتنبيهات" لابن سينا في المنطق، و "
شرح التلويحات لشهاب الدين السهروردي" في المنطق والحكمة، وقد ألف لابنه شمس الدين صاحب ديوان الممالك، شرح الأصول والجمل من مهمَّات العلم والعمل
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
ومن العلماء الَّذين قاموا بالرَّدّ على ابن كمونة: مظفر الدين أحمد بن علي المعروف بابن الساعاتي المتوفَّى (694هـ) فقد ردَّ عليه في كتابه "
الدّر المنضود في الرَّدّ على فيلسوف اليهود" يعني ابن كمونة، وممَّن كتب أيضًا في دحض مفتريات ابن كمونة: الشيخ زين الدين سريجا بن محمد الملطي المارديني الشَّافعي المتوفَّى سنة 788هـ، في كتابه المسمَّى "
نهوض حثيث النهود إلى خوض خبيث اليهود"
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وقد عمل سعد الدولة على اتّساع نفوذ الطائفة اليهودية؛ حيث استقدم يهودًا من مدينة تفليس
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]؛ للإشراف على تركات المسلمين - ويفترض أنَّها وظيفة إسلاميَّة - ولكنَّه أراد أن يحل محلها يهود فطرد الموظَّفين المسلمين من وظائفهم - كما سبق - فحكموا بعدم توريث ذوى الأرحام، ممَّا دعا ذلك إلى انتفاضة شعبيَّة كبيرة من سكَّان بغداد ضدَّ اليهود، نهبوا خلالها دكاكينهم وبيوتهم ومتاجرهم
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وقد نتج عن إساءة اليهود أن ثارت ثائرة العامَّة ممَّا اضطرَّهم إلى العودة إلى بلادهم، فقتلهم الأكراد بالجبال
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وفي سنة 688هـ قام سعد الدولة بالقبض على صاحب تمغات بغداد، الزين الحظائري ومجد الدين
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] إسماعيل بن إلياس؛ حيث استوفى ما عليهِما من الأموال ثمَّ قتلهما بعد ذلك في صورة بشعة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وقد قتل غيرهما ومنهم، ناصر الدين الَّذي دفن في جوار قبر سلمان الفارسي، وفي رجب من تلك السنة قتل منصور بن علاء الدين صاحب الديوان في بغداد
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
ومن أثر التواطؤ المغولي اليهودي الحاقد على الإسلام ما قام به سعد الدولة من عداوة صريحة للإسلام؛ حيث اقترح سعد الدولة على السلطان أرغون الإيلخاني مرارًا أن يحوِّل الكعبة المشرفة إلى معبد للأصنام (
معبد بوذى)، كما أنَّه سعى للقضاء على الإسلام وأتْباعه بمحاولة تحويل المسلمين إلى عبادة الفرْد أو الذات، فأدخل في روع السلطان أرغون أنَّ النبوَّة موصَّلة بالميراث من جنكيز خان إلى حضرة السلطان، وأنَّه يجب على النَّاس طاعة أوامر السلطان وعبادتهم له، وقتل المخالفين الَّذين لم يستجيبوا إلى ذلك، وقد رحب السلطان بهذا التدبير، فبعث برسائل ومكاتبات إلى اليهود يخبرهم باستعدادهم لصناعة أعلام الضلال (
الأصنام) للتوجُّه بها إلى مكة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، كما استقدم سحرة من الهند
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وأقنع السلطان بتجهيز أسطول كبيرٍ للهجوم على مكة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، إلاّ أنَّ مرَض السلطان حال دون تنفيذ هذا المخطَّط اليهودي على مكَّة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
ويعلّق د. الصياد على ذلك قائلاً: إنَّ سعد الدولة بهذا ظهر بثوبه الحقيقي، وأظهر العداوة سافرة للمسلمين، وركب في ذلك متن الشَّطط لدرجة أنَّه اقترح على السلطان أن يحول الكعبة إلى معبد للأصنام كما سبق
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
ولكي يتم مخطَّطه السابق قرَّر القضاء على الأعيان والوجهاء من المسلمين وعلمائهم، فقد أرسل الوزير سعد الدولة إلى ولاية خراسان: نجيب النحال اليهودي، وسلمه قائمة مفصَّلة بأسماء مائتين من أعيان وأغنياء تلك البلاد ليتولى القضاء عليهم، ويحوِّل أموالهم وما يملكون إلى ديوان السلطنة، كما كلَّف واليه على فارس شمس الدولة أيضًا بقتل سبعة عشر شخصًا من أئمَّة أصفهان الذين لم يكن لهم ذنبٌ سوى أنَّهم كانوا يتمتعون بالسمعة الطيّبة والذكر الحسن بين الجميع، ويعرفون بعلو النَّسب وكثرة البذل والعطاء
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وقد امتدَّ هذا التطاول اليهودي على الولايات الخانية الأخرى، فقد أمر مهذب الدولة بن الماشعيري بالقبض على نورالدين عبدالرحمن بن تاشان أمير واسط وتطويقه بالحديد، وأمره بإرساله إلى بغداد على أن يقتل بها ويحمل رأسه إليه
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وعلى عادة المغول ابتنى السلطان بالقرب من مدينة السلطانية
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] كروغا (
معبدًا) كما ابتنت ابنته خاتون "
خانقاه" للدراويش هناك
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وقد وجد النَّصارى تشجيعًا من السلطان أرغون ووزيره سعد الدولة، بالهجوم على بيت المقدس في العام الأخير من حكومة أرغون
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
لقي المسلمون على يد أرغون ووزيره سعد الدولة وإخوانه وأقربائه وأمرائه اليهود الاستهانة بهم، زيادة على الإيذاء، وقد بذل اليهود كل ما في وسعهم لوضع العقبات في طريق الإسلام، ومنعوا أية دعوة لهذا الدين أو أي نشر لهذه العقيدة الإسلامية، واستمر ذلك العداء فيمن حكم الدولة الإيلخانية بعد أرغون مثل بايدو
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وكما يقول (
وصاف) في تاريخه فإنَّ سعد الدَّولة قد أضرَّ بالمسلمين وبنفقات جوامعِهم وأوقافهم، فتألَّم الجميع منه، وممَّا قيل من التألُّم قول الشَّاعر:
يَهُودُ هَذَا الزَّمَانِ قَدْ بَلَغُوا مَرْتَبَةً لا يَنَالُهَا مَلِكُ
المُلْكُ فِيهِمْ وَالمَالُ عِنْدَهُمُ وَمِنْهُمُ المُسْتَشَارُ وَالمَلِكُ
يَا مَعْشَرَ النَّاسِ قَدْ نَصَحْتُ لَكُمْ تَهَوَّدُوا قَدْ تَهَوَّدَ الفَلَكُ
فَانْتَظِرُوا صَيْحَةَ العَذَابِ لَهُمْ فَعَنْ قَلِيلٍ تَرَاهُمُ هَلَكُوا
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]ويشير رشيد الدين الهمذاني إلى أنَّ سعد الدَّولة على الرغْم ممَّا حظِي به من ثقة السلطان، إلاَّ أنَّ سعد الدولة كان دائمًا يتوجَّس خيفة من كبار الأمراء، مثل شيكور ونويان، وطغاجار وسماعار وقو بخقبال وغيرهم؛ فلذلك رأى من باب مصلحتِه أن يكون له شريكٌ يستند إليه (
مع أقاربه) فحدَّث السلطان أرغون بذلك حيث طلب من السلطان بقوله: إنَّني لا أستطيع القيام بمفردي بجميع المهامّ، وأحتاج إلى عدد من المرؤوسين المخْلِصين القانعين حتَّى يعرضوا عليَّ كلَّ ليلة ما يجري من التَّدبير والتقصير، وما يحدث من الوقائع في كلّ يوم، فاختار "
أورذوقيا" مساعدًا له واختصَّه لنفسه بالإضافة إلى أنَّه رجل مقتدر للغاية - وهو الذي كان مساعدًا له في استخراج الأموال من العراق - وأسند إلى جوش الإمارة في شيراز، كما فوَّض إلى "
قوجان" الحكم في تبريز؛ فصار ثلاثتهم أتباعه وأعوانه كما يقول الهمذاني، كما رتَّب الأمر بحيثُ لم يكن في استطاعة أيّ مخلوق يقصد دار أمير من الأُمراء قط سوى هؤلاء الثَّلاثة الَّذين كانوا عمالاً وسندًا له، كما نقل الحراسة من دار الخلافة في بغداد إلى داره
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وكانت تلك التصرفات ترضي غير المسلمين عامَّة واليهود خاصَّة؛ فلذلك رغب اليهود وبعض رهبانهم في نواحي أوربا في الهجرة إلى الشرق
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]؛ نتيجة تلك الأوْضاع التي تعطي اليهود تميُّزًا وتقديرًا ونفوذًا على غيرهم.
هذه المحن التي أصابت المسلمين في عهد أرغون ووزارة سعد الدولة لَم تمنع المسلمين من المطالبة بحقوقهم، والغيرة على دينهم، فقد استنكر العلماء والدعاة هذه التجاوزات، وتحرَّكت العامَّة لما أصابها في دينها
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، ولما وجدوا صدودًا من أرغون ووزيره وأمرائه اشتعلت نيران العداوة في نفوس العلماء وأمراء الدَّولة ورجالها، ممن يكرهون اليهود ومنهم الأمير طوغان - الَّذي لحقه الضَّرر منه أكثر - حيث تمكَّن من إقناع جَميع أعيان البلاط على التخلُّص منه، كما ناقش مع النبلاء أصحاب البيعة طريقةَ القضاء عليه، ولكنَّه نظرًا لعدم مناسبة الظروف وقتَها فقد أخفى ذلك السّرّ في أعماق نفسه حتَّى تواتيه الفرصة ويتمكَّن من القضاء عليه
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وإذا أضيف إلى ذلك ثقة السُّلطان المتناهية في شخصه، فلم يستطِع أي شخص مهْما علا قدره أن يمسَّ سعد الدولة بسوء، فلم يكن بدٌّ من أن يترقَّب أعداؤه الفرصة للانقضاض عليه، فصبروا على مضض متحمّلين منه كلَّ ما يصادفهم من إيذاء
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
ولكن العامَّة لم تنتظر الظروف المناسبة، ففي سنة تسع وثمانين وستمائة سطّر ببغداد محضر - كتب فيه أعيان النَّاس - يتضمَّن الطَّعن على سعد الدولة ويتضمَّن آيات من القرآن وأخبارًا نبويَّة، مفادها أنَّ اليهود طائفة أذلَّهم اللَّه تعالى ومَن حاول إعْزازَهم أذلَّه اللَّه، فعرف سعد الدولة بذلك وأبلغ السلطان أرغون فأصدر سعد الدولة قرارًا بِموافقة السلطان يَقضي بقتل كل من كتَب في ذمِّ اليهود؛ ولذلك استعمل الحزم وقرَّر القبض على جمال الدين الحلاوي ضامن تمغات بغداد ثمَّ قتله وصلبه
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، معتقدًا أنه السبب وراء ما حدث .
وكان انتقام اللَّه له بالمرصاد فبعد أن زادت تصرُّفاتهما، أنزل اللَّه بالسلطان مرضًا عضالاً لم يشف منه، حيث سقط أرغون فريسة المرض في تبريز، وحاول الأطبَّاء وصف العلاج له ولكن المرض ازداد شدَّة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
علِم الأمراء والنبلاء بتردِّي أحوال السلطان أرغون، وبمضمون الرسائل السّرّية التي أرسلها سعد الدولة إلى غازان وغيره ليتولَّى العرش بعده، وتصوَّر سعد الدَّولة بهذا الصَّنيع أنَّه ينال عطف الأمير قبل وفاة أبيه المريض، فاجتمع الأمراء والنبلاء في منزل الأمير طغاجار مبدين ضجرهم من اليهود، وفكَّروا بالأمر - قبل أن يصِل غازان - في التخلُّص من الوزير
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
لَم يسعد اليهود طويلاً، فأصاب سعد الدولة نكبة أوْدت بحياته سريعًا، وشرب من الكأس التي طالما جرعها غيره
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وكان سعد الدَّولة قد وجَّه بعد تردِّي أحوال السلطان أرغون بتصْحيح بعض الاعوجاج الذي استشرى في الدَّولة، فأمر بتوْزيع المساعدات والصدقات على الفقراء والمحتاجين، وأطلق سراح عدد كبير من المسجونين، وأرسل إلى الإمارات السلْطانية بالدَّعوة إلى رفاهية الرَّعيَّة في كلّ ولاية، حتَّى قيل إنَّه أصدر في يوم سبعين مرسومًا يتضمَّن إظهار العدْل ورفع الظلم والفساد
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
أشار بعض الباحثين أنَّ سعد الدَّولة أراد أن يحفظ لنفسه خطَّ الرجعة، ويستعدّ لمفاجآت المستقبل، فعمل على استمالة النَّاس لعلهم ينسون في غمْرة مكارمه صنوف العذاب، فأجرى الصَّدقات حيث تصدَّق على أهل بغداد بمبلغ 3.000 دينار وعلى أهل شيراز 1000 دينار، وتظاهر بأنَّه بهذا العمل يدفع البلاء عن السلطان
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، لكن ذلك جاء متأخّرًا، ففي بداية الأمر قبض بعض الأمراء المتذمّرين من سياسة سعد الدَّولة الخرقاء على الخاصَّة من رجال سعد الدَّولة من اليهود وأعوانهم، وأجهزوا عليهم، ثمَّ ألقِي القبض على سعد الدَّولة وسجن مدَّة يومين أو ثلاثة وجرت محاكمته، وقتل بعد ذلك
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وهكذا فقد السلطان أعزَّ نصيرٍ له وهم اليهود، وقبض على أعوانه ففارق الحياة كما فارق وزيره قبله الحياة بأيَّام، ونظم الإمام الزاهد زين الدين علي بن الصَّاعد الدمشقي قصيدة غرَّاء فيما آلت إليه الأمور، يقول فيها:
نَحْمَدُ مَنْ دَارَ بِاسْمِهِ الفَلَكُ هَذِي اليَهُودُ القُرُودُ قَدْ هَلَكُوا
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]إلى أن قال:
هَجَوْتُهُمْ أَبْتَغِي بِهَجْوِهِمُ جِنَانَ خُلْدٍ يَزِينُهَا البِرَكُ
رَغْمًا لِمَنْ قَالَ فِي قَصِيدَتِهِ تَهَوَّدُوا قَدْ تَهَوَّدَ الفَلَكُ
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]إنَّ المتتبِّع لتلك الأحداث قد يلحظ بعض الاستغراب! إذْ كيف يقوم سعد الدَّولة بهذه الأعمال وهو الَّذي أعلن الإسلام وحثَّ على مساعدة الحجيج؟!
أقول: إنَّ هذا ليس بمستغرَب على اليهود أن يتظاهروا بالإسلام أو يُعْلنوا للنَّاس بأنَّهم يسعَون لمصلحتهم ومساعدتهم وإرضاء مجتمعهم، لاسيَّما أنَّهم يتحدثون باسم السلطان؛ فإظهار الإسلام من قبل سعد الدَّولة يعدُّ نفاقًا من أجل المكر والكيد، أو بما تُمليه عليهم مصالحهم الخاصَّة.
فسعد الدولة أظهر حسن النية لكسب صف المجتمع في مقدمه تولية مسؤوليَّات الدولة، فتظاهر بالإسلام وتطبيق شرْعِه، وبعد تمكُّنه من مقدَّرات الدَّولة وسلطتها تخلَّى عنه، وحصل منه ومن أقربائه اليهود ما حصل من تلك الأعمال، وفي مقدمتها استنزاف أموال النَّاس بوسائلَ شتَّى، واضطهاد المسلمين وإهانة علمائهم.
وعندما مرض السلطان أرغون وضاقت العامَّة وضجرت من تصرفات اليهود في عهده، خشي سعد الدَّولة من خطر الثَّورة عليه، فأعلن العفْو وأظهر الإحسان، وتقديم الهبات والصدقات وغيرها مما يستجدي به العامَّة.
ولما أحسَّ سعد الدولة بتردِّي أحوال السلطان ويئِس من حالته، ورأى أنَّ عضده المغولي (
أرغون) قد خبا نظرًا لمر