العـزوبيـــــــــــــة
<BLOCKQUOTE>
لملم أوراقه المتناثرة على مكتبه ناظرا إلى ساعته، انه وقت الخروج من الدوام، لبس سترته ، اقفل باب المكتب ووضع المفتاح بجيبه ثم خرج متجها نحو موقف سيارة الشغل ارتمي على الكرسي بتثاقل، بالمكان الذي اعتاد دوما و يوميا الجلوس فيه، نفس الوجوه، نفس العلامات، علامات التعب اثر يوم عمل و كل واحد يفكر بما بنفسه من مشاكل خارج هذا المكان.
</BLOCKQUOTE>
<BLOCKQUOTE>
جاء السائق و تحقق من صعود الجميع و انطلق يطوي طريق العودة ، يقف من وقت لآخر لينزل احدهم في محطته، كان هو متكأ واضعا يده على خده، لابسا نظاراته الشمسية لكي ينعم بغفوة لحين وصوله لبيته، و كعادته لابد من أن يوقظه السائق عند الاقتراب من محطة نزوله، نزل يفرك عينيه و هو يهرول ليصل إلى بيته ليرمى ثيابه و يلبس منامته و يرتمي بين أحضان فراشه ليهنأ بسويعات من الراحة قبل موعد العشاء، و ما إن وضع رأسه على وسادته حتى استسلم للنوم.
امتدت يد ناعمة لتوقظه أحس بملمس الحرير على ذراعه فتح عيناه فوجد وجها كالبدر مبتسما في وجهه يدعوه للنهوض و الاغتسال لكي ينسى تعب ذلك اليوم و هو ينظر إليها و لا يعلم من أين أتت هذه الصبية أجنية هي أم إنسية قالت له أنها أعدت له كل ما يتمناه من الأكل و الشرب، و حضرت له حماما دافئا لكي يغتسل و يسترجع نشاطه.
استسلم لإرادتها و استحم و خرج ليجد مأدبة في انتظاره و هذه الحسناء تناديه بزوجي العزيز تفضل و كانت رائحة عطرها و أناقة ثيابها و بهاء صورتها تناديه لمعانقتها و رائحة الطعام و جمال تنسيقه و الأصناف المحببة لقلبه تنادي بطنه و عقله ليأكل و ينسى أكلات العزوبية ، يجلس بجوارها و هي تسامره و تمد يدها بين الصحون و تطعمه مثل الرضيع بيديها،لم يعد يرى كومة الأوراق التي فوق مكتبه و لا وجه الكاتبة العابس الذي يستقبله و يودعه كل يوم و نسي صوت المدير و هو يرهقه بالأوامر و تمنى أن تقف عقارب الساعة عن الدوران و أن تستمر حياته بهذا الدلال، تلقفته و هو بين دوامة ما يرى و ما كان فيه لتدعوه ليراقصها على أنغام رومانسية هادئة تدغدغ الأعصاب، ضمها إليه، و كان يحس بأنه يلامس السحاب و بين يديه غيمة لشدة نعومتها، وضعت رأسها على صدره و عبير عطرها يؤانس انفه و استمرا في الرقص، بعد وقت فتحت عينيها و نظرت إليه ، قالت له بصوت غلب عليه الدلال و النعاس بأنها تريد النوم ، يكفي هذه الليلة أخذها بين ذراعيه و اتجه لغرفة النوم مسرعا ، قبل أن يصل الفراش شعر بشيء كأنه يد خشنة تربت عليه و صوت جهوري يدعوه للعشاء فرك عينيه جيدا و نظر لمخاطبه فإذا به صديقه الذي يعيش معه و يتقاسم معه شقاء الحياة، نزل من الفراش و لازالت عيناه تفتش عن حسنائه التي ضاعت من بين يديه.
وتذكربأنه لا زوجة له و لا ولد، خرج ليجد على طاولة العشاء بعض علب المصبرات و جبن و زيتون و أرغفة و كوبا شاي لا تفتح الشهية و فهم أن ذلك الحلم لا يزال بعيدا عن متناوله، و تناول ما وجده و هو يحدث صديقه عما رآه في منامه، فتنهدا متسائلين متى ستنتهي حياة العزوبية
</BLOCKQUOTE>