3. الحق في الحماية من التلوث الضوضائي:
فقد حمي الله سبحانه وتعالى البيوت من التلوث الضوضائي والأصوات الخارجية العالية، وجعل المناداة على أهل البيت من الخارج بصوت مرتفع مزعج من قلة العقل قال تعالى: (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون. ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم والله غفور رحيم) الحجرات 4،5.
ففي هذا الهدى القرآني يعلم الله سبحانه وتعالى المسلمين أن لا ينادوا أصحاب البيوت من الخارج بأصوات عالية مزعجة، أو بآلات تنبيه السيارات وغير ذلك، وقد جعل الله هذا الفعل من قلة العقل حيث لم يعقلوا أدب الإسلام في المناداة والتواصل مع الساكنين في البيوت، فأدب الله هؤلاء القوم وحفظ حق البيوت في الهدوء والحماية من التلوث الضوضائي والله غفور رحيم لمن كان لا يعلم هذا الحكم وعمل به ثم تعلّّمه وأقلع عنه عندنا علمه (والله غفور رحيم) غفور لمن صدر منه هذه المخالفات من الإخلال بالآداب الاجتماعية العامة، رحيم بهم حيث علمهم السلوك السوي، ولم بعجل لهم العذاب على هذا السلوك المشين، وبذلك سبق الإسلام علماء الآداب الاجتماعية والسلوك الاجتماعي في تعليم المسلمين إعطاء البيوت وسكانها حقهم في الحماية من التلوث الضوضائي ويتدرج تحت ذلك استخدام مكبرات الصوت بطريقة غير مقنعة في إزعاج السكان وحرمانهم من الهدوء والتلوث الضوضائي، كما يدخل في ذلك استخدام الأصوات العالية للمسجلات في البيوت والسيارات مما يسبب إزعاجاً عاماً.
4 الحق في الحماية من أنظار الفضوليين:
فقد علّم الله سبحانه وتعالى المؤمنين وجوب غض البصر عامة فقال سبحانه (قل للمؤمنين بغضوا من أبصارهم) النور (30).
وقالوقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن )النور: 31. وقد حمى حمى الله سبحانه وتعالى البيوت من أنظار الفضوليين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أطلع في دار قوم بغير أذنهم ففقئوا عينه فقد هدرت عينه) وما رواه سهل بن سعد، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن أطلع في إحدى حجراته، وكانت في يده مدري يحك بها رأسه (لو كان أعلم أنك تنظر لطعنت بها عينك).
وفي هذا الهوى حماية للبيوت من نظرات الفضوليين والمعتدين على الحرمات والمتجسسين.
4. الحق في تنظيم الدخول إليها:
فقد نظم الإسلام الدخول إلى البيوت والاستئذان لدخولها بقوله تعالىليس البر أن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها وأتقوا الله لعلكم تفلحون) البقرة 189. فكان الأنصار وغيرهم إذا أحرموا، لم يدخلوا البيوت من أبوابها تعبداً بذلك، ظناً (منهم) أنه بر، فأخبر الله تعالى أنه ليس من البر، لأن الله تعالى لم يشرعه لهم، وكل من تعبد بعبادة لم يشرعها الله ورسوله فهو متعبد ببدعة، وأمرهم أن يأتوا البيوت من أبوابها لما فيه من السهولة عليهم).
كما أورد الشيخ عبد الرحمن بن السعدي رحمه الله في تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، هذا بالنسبة إلى بيت الإنسان، أما بالنسبة لبيوت الآخرين فقد قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون) النور (27).
والاستئناس : بمعنى الاستئذان وإعلام الطارق أهل البيت أعلاماً تاماً أنه قادم عليهم، وفعل ما يؤنس أهل البيت ويدفع عنهم الوحشة التي تلم بهم إن لم يفعل، وبذلك على القادم أن يطلب العلم برأي أصحاب البيت في دخوله وإعلامهم إعلاماً مؤكدا بقدومه، بطلب ما يؤنسهم ويتعرفون عليه وأن يؤنسهم قبل الدخول.
والاستئذان لدخول البيت ثلاث مرات الأولى لإسماع أهل البيت، والثانية ليتهيئوا، والثالثة ليأذنوا بدخوله أو يردوه.
وإذا قال له أهل البيت أرجع فعلية أن يرجع من دون غضب أو قطيعة قال تعالى ( وإن قيل لكم أرجعوا فأرجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم) النور 28.
وعلى الطارق أن لا يقف صوب الباب ولا ينظر في البيت فإنما جعل الاستئذان من أجل النظر. وقد جعل الله البيوت سكناً يقي إليها الناس، فتسكن أرواحهم وتطمئن نفوسهم ويأمنون على عوراتهم وحرماتهم، ويلقون أعباء الحذر والحرص المرهقة للأعصاب، والبيوت لا تكون كذلك إلا حين تكون حرها آمناً لا يستبيحه أحد إلا بعلم أهله وإذنهم، وفي الوقت الذي يريدون، وعلى الحالة التي يحبون أن يلقوا الناس عليها.