هذه الحرب ، حرب الفرقان ، هي أوّل حرب تجري داخل فلسطين بين الشعب الفلسطيني والصهاينة ، وهي أوَّل حرب مع الصهاينة ، يقود زمامها الإسلاميون ، وتصطفَّ الأمَّة فيها وراء الراية الإسلامية ، فهي بإذن الله فاتحة خيـر ، وبشارة نصر ، وعاقبة رشد وفلاح لأمتنا .
وقد انقسم الناس فيها إلى عشرة أقسـام :
القسم الأول : الموقف الإجرامي لبعض الأنظمة العربيّة التي اتفقت مع الصهاينة لإنهاء المقاومة في غزة ، ونسَّقت معها بتعاون كامل ، وذلك بخمس وسائل ، إحداها : الإمداد ، والتعاون الإستخباراتي اللازمان لتصفية المقاومة ، الثانية : إستمرار الحصار ، الثالث : نصب الفخ السياسي للمقاومة ، الذي يسمى ( المبادرة المصرية ) ، والرابعـة : عرقلة أيِّ تحرّك من شأنه أن يوفّر دعما للمقاومة ، أو يوقف العدوان قبل أن يحقق أهدافـه ، الخامسة : استعمال خطاب إعلامي منحطّ يشوّه صورة المقاومة في غزة ، ويغطي جرائم الصهاينة .
وكل هذه الوسائل مكشوفة ، ومرصودة ، ولن تنسى قط ، وسيتحمّل هؤلاء الخونة جريرتها في الدنيا والآخرة ، وهم بغباءهم قـد نسوا أنِّ هذه الجريمة الشنعاء تقع هذه المرة في زمن الفضائيات ، والثورة الإعلامية ، التي لايخفى بسببها شيءٌ على الناس ، وظنُّوا أنهم يقومون هذه المـرَة ، بجريمة خيانتهم لأمّتهم ، كما كانوا يفعلون في الماضي ، عندما كانوا يمتصُّون دماء ضحاياهـم في جنح الظلام .
وهذه الأنظمة التي أطلقت على نفسها محور (الإعتدال) العربي ، هـي شريكة كاملة لكـلّ الجرائـم الصهيونيّة في غــزّة ، فهم قتلة ، ومجرمون ، ومصاصو دماء ، وقطـّاع طرق ، ومفسدون في الأرض ، ومرتكبون للإبادة الجماعية ، وفي رقابهم ـ مع الصهاينة ـ دم كلِّ شهيد في غزَّة ، نساءها ، وأطفالها ، وشيوخها ، فعليهم بذلك لعنة الله ، والملائكة ، والناس أجمعين .
ويدخل معهم في هذا الحكم ، شيوخ الدين الرسميون الصامتون ، الذين خانوا الله ، ورسوله ، والأمّة الإسلاميّة ، بصمتهم المخزي على هذه الجرائم البشعة ، وبسكوتهم على جرائم السلطات التي نبتت ألسنة هؤلاء الشياطين الخرس ، ألسنتهم العفنة المضروب لها المثل في القرآن : كـ (الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث) ، نبتت من سُحتها.
ولم يكن المؤتمر القطري إلاَّ محاولة لكشف أبعاد وأطراف هذه المؤامرة الخطيرة ، التي ستكشف الأيام القادمة عن مزيد من تفاصيلها الخبيثة ، التي تدلّ على أن هؤلاء الزعماء أولى بكلِّ وصف قبيح ، وصف الله تعالى به اليهود .
وتتلخص هذه المؤامرة في أن تدفع الإبادة الصهيونية الوحشية لأهلنا في غزة ، تدفـع بالمقاومة إلى جهة واحدة هي المبادرة المصرية أو أيّ صيغة معدلة لها تحقـِّـق ثلاثة أهداف :
أحدها : نزع أيّ قدرة مسلَّحة للمقاومة في غزة.
الثاني : إنهاء سيطرة حماس على القطاع .
الثالث : إعادة سلطة عباس المتواطئة على ذبح شعبها إلى غزة .
،
وكلُّ هذا ليحقق بالنهاية هدف أكبـر هو تصفية القضية الفلسطينية ، وتضييع كل حقوق الشعب الفلسطيني .
،
وكلُّ من نظر فيما يسمى المبادرة المصرية يرى بوضوح أنها تتجه لتحقيق هذه الأهداف.
القسم الثاني : الدعم المجرم للإتحاد الأوربي الذي فضحه لا أقول موقفه المتفرج على الإبادة الجماعية على أهل غزة ، بل دعمه اللاّمحدود لتلك الجرائم ، فصدق عليه قوله تعالى ( قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدروهم أكبـر ) ، ومثله تماما مايسمى بمجلس الأمن ، وهيئة الأمم المتحـدة ، هذه الألعوبة بيد الصهاينة.
،
القسم الثالث : الإدارة الأمريكية بقيادة بوش الذي أبى إلاّ أن يختم مرحلته المجرمة بهذه النازية التي تتواضع أمامها نازية هتلر ، بل وحشية جنكيز خان ، وقد بات معلومـا إنَّ كل خيوط هذه الجريمة ترجع إلى هذه الإدارة ، فهي التي تدير كلّ شيء ، حتى استخدام الأنظمة العربية المتواطئة يتمَّ من هنـاك ، ولهذا السبب فإنّ الصهاينة عندما يريدون أيّ شيء ، إنّما يهرولون إلى واشنـطن ، ولا يلتفتون إلى مطايا الإدارة الأمريكية ،ولايقيمون لهذه المطايـا أي وزن .
القسم الرابع : الدول العربية التي وقفت مع المقاومة إلى درجة ما ، فعمَّقت الخط الفاصل بين محور الإعتلال المتواطىء مع المخطط الصهيوأمريكي ، وبين ما يطلق عليه محور الممانعة .
ولاريب أنَّ هذا الفرز السياسي ، سيكون له تداعيات مستقبلية كبيرة ، وكيف لايكون كذلك ، وقد جرت السنن الكونية ، أنَّ حدثا هائلا مثل ما يجري في غـزة ، عادة ما يثمـر مثل هذا ، غير أننا تعوَّدنا على أنَّ عدم الثبات في مواقف الأنظمة العربية هو القاعدة ، وبعكس القاعدة التي تقول : لكل قاعدة استثناء ، فيبدو أن هذه الوحيـدة التي ليست كذلك !
القسم الخامس : الإسلاميون الذين ضلوا طريق الهدى في هذا الحدث الجلل على أمِّتنا ، وهم أنواع : نوع جبنوا عن مقام الحق وهم يعلمونه ، فمن كان من هؤلاء في مقام يتوجَّب عليه البيـان فهو الشيطان الأخرس ، ونوع لاتسمع لهم صوتاً إلاَّ بتحريم المظاهرات ، والسخريـَّة من مشاعر الأمّة فيها ، وهم عن عدوِّ الله والإسلام صامتـون ، ألجم الله أفواههم بلجام من نـار ، ونوع لم يجدوا في جعبتهم في هذا الوقت العصيب إلاَّ توجيه سهام النقد لحماس المجاهدة الصامدة ، في وقت محنتها ، فصارت سهامهم مقرونة ـ لغلظ فهمهم ، وضعف فقههم ـ بسهام الصهاينة وأولياءهم على صدور أهل الإسلام !
ونوع رابـع هم صنف نادر من المسخ الإنساني يحاربون حماس ، وفصائل المقاومة لأنهم خارجون عن ولي الأمر عباس !
القسم السادس : الإسلاميون الذين وقفوا مواقف الحقِّ ، وقالوا كلمة الهدى ، فنسأل الله أن يعظم أجرهـم ، ويجزل مثوبتهم ، وهذا واجبهـم على أية حال ، بل هو أقـل الواجب .
ومن هؤلاء أهل الإغاثة الذين هرعوا لإغاثة إخوانهـم من أهل غزة ، فهؤلاء من خير الناس ، وأعظمهم بركة ، جزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
القسم السابع : أقوام أيَّدوا حق الأمة ، وتعاطفوا معها ـ وبعضهم مثل الرئيس الفنزويلي فعل ما لم يفعل نظام عربي ـ وهم من غير المسلمين ، من الأنظمة ، والدول ، وهيئات حقوق الإنسان ، وبعضهم من اليهود أنفسهم ، فهؤلاء حقُّ علينا شكرهم ، وحفظ الوفاء لهم .
القسم الثامـن : عموم الأمة الإسلامية التي تشتعل غضبا على ما يجري في غـزة ، وتحترق غيظا على الزعماء الخونة ، وتتحرق شوقا إلى الجهاد في سبيل الله دفاعا عن حرمات المسلمين ، وكرامة الأمة .
ولاريب أن ما شهدناه من مظاهرات عارمة عمت العالم الإسلامي ، أرسلت رسالة واضحة أن الأمة الإسلامية كما وصفه الله تعالى ، أمة الخير ، وأن الخير فيها إلى قيام الساعة ، ولولا ما ابتليت به من حكم الطواغيت ، وأئمة الضلالة ، لأشعلت شعلة عزتها ، وأعادت شمس أمجادها.
القسم التاسـع : أهل غـزة الصامدة ، هذا الشعب البطل الذي أعطى العالم بأسره ، دروسا في الثبات ، والصبر ، والتمسك بالحق ، والإصرار عليه ، مهما كانت التضحيات .
والحق أنَّ أهل غـزَّة اليوم هم شعب الله المجاهد ، ومدينتهم هي خير مدائن الإسلام ، ولأمتنا والله أن تفخـر بهم أعظم الفخـر ، وأن تتخذ من ثباتهم مدرسة تتعلم منها العزة ، وتتلقى فيها دروس الثبات ، والصمـود.
القسم العاشـر : درَّة أهل الإسلام ، ولبُّ أمة التوحيد والإيمان ، أولئك الأبطال ، أسود الجهاد ، وليوث الحرب ، وجبال الثبـات ، كتائب القسام ، وعصائب سرايا القدس ، وجنود شهداء الأقصى ، ورجال ألوية الناصر صلاح الدين ، وغيرهم من فصائل المقاومة الفلسطينية المباركة ، والمحاضن الذين تخرجت فيها ، من حركة حماس وغيرها.
،
هذه الطائفة القليلة من صفوة الجهاد الإسلامي المبارك ، التي أوقفت زحف الجيش الصهيوني الذي ألقى بثلث قوِّته في غزة ، فلم يغنِ عنه شيئا ، وضاقت عليه الأرض بما رحـبت ، فهو يتقدم ، فيتهوَّل من زئير الأسود ، ويصطدم بجبال الصمود ، فيعود القهقرى ، ويولِّي مدبرا .
هذه الثلة المجاهدة التي ركَّعـت جيشا هو من أعظم جيوش العالم عتاداً ، وسلاحاً فجثى على ركبه ، يخور كالثـور الخائـر.
ولقنته درسا لاينساه ، فردَّ على أعقابه خاسراً ، فجنَّ جنونُه ، وأخذ يقذف بالقذائف الجبانة كلَّ شيء أمامه ، محاولاً أن يصنـع نصراً وهمياً ، على جثث الأطفال ، والنساء ، والشيوخ ، وعلى أنقاض المباني المهدَّمة ، والمدارس المحطَّمة .
أولئك الأسـود المزمجرة بصيحات الله أكبـر ، الصامدة صمود الأطواد ، القائمة بأمر الجهاد ، المنصـورة بالحق ، المهدية بأمر الله تعالى.
هذه العصابة المؤمنة هـي ـ لاغيرها ـ التي بيدها اليوم ميزان القوى ، وتتحكم في مصير الكيان الصهيوني ، وتفضح خيانات الأنظمة العميلة ، وتكشف مواقف الناس.
هذه الأصابع المباركة التي تضغط على الزناد ، وتلك الوجوه النيّرة المقنعة التي تتربَّص بالعدوِّ في أحياء غزة ، هي التي تصـنع اليوم تاريخ الإسلام ، وهي التي ترفع صرح عـزة الأمة ، وهي التي تخـطُّ لها طريق الكرامـة .
إنهم لعمري رجال الإسلام ، وأبطال الأمة ، قاموا بحقِّها خير قيام ، فاستحقوا ما اختارهم الله من أجله أن يكونوا رجال الأرض المباركة ، فللُّه درهم ، وعليه شكرهم.
هؤلاء هم الذين أجبروا الصهاينة على التراجع ، وأظهروهم بصورة الذليل المنهـزم .
ومهما حاول الصهاينة أن يدَّعوا وقف القتال ، استجابة لأمر نظام خائن شريكهم في الجريـمة ، أو بدعوى تحقيق الأهداف ، فهي محاولات يائسة للتستر على فشلهم المخزي ، وإنفضـاح مؤامرتهـم مع أولياءهم .
وختاما فإن أعظم درس نستفيده من حرب الفرقان ، أنه إذا كان ثلة قليلة من المؤمنين المتوكلين ، حققت كلِّ هذه الإنجازات العظيمة ، رغم الحصار ، وضعف الإمكانات ، فكيف لو نفخت روحها ، وانتشـرت عزيمتها ، في عموم الأمة الإسلامية.
فلنتخذ من هذا الدرس شعلة تضيء لنا طريق العودة المباركة لعزِّتنـا .
* الشيخ حامد بن عبدالله العلي