طلب من أطفال الصف الثاني من المرحلة الابتدائية رسم رأس إنسان ، وانشغل الأطفال برسم المطلوب لفترة زمنية ، وذهب طفل إلى المعلمة وقال لها لدي مشكلة ، وبعد أن شرح مشكلته اكتشفت المعلمة أنه يرسم ما بداخل رأس الإنسان فإذا بها تثور في وجهه وتأمره بأن يكف عن الرسم حتى يرى رسومات زملائه ، ثم قالت المعلمة بتهكم واستهزاء: انظروا إلى زميلكم النابهة إنه لا يستطيع أن يرسم رأس إنسان ثم طلبت منهم أن يرفعوا رسوماتهم لكي يراها الطفل المغبون، وقالت له: انظر أيها النابهة إلى الرأس في رسومات زملائك وكيف تكون ، كلهم رسموا المطلوب إلا أنت ، ونظر الأطفال إلى زميلهم بسخرية وصياح ، أما الطفل المهان فلم يكون في مقدوره إلا الجلوس خجلا وكأنه قد ارتكب إثما كبيرا ، لقد جلس وقد تعلم أن الأفكار غير المألوفة ليست مطلوبة ، وأن الاستكانة للمألوف هو الطريق الآمن ، وأنه من الخطورة بمكان أن تكشف للآخرين أنك ترى الأمور بمنظور مختلف عن رؤيتهم.
إن الاستخفاف بآراء الأبناء والاستهزاء بتخيلاتهم يقتل فيهم الإبداع ، وهذا ما أكده العالم " تورنس " بعد إجرائه للعديد من التجارب على التفكير الإبداعي لدى طلاب المدارس ، فقد قال إن هناك مبادئ يجب أن يستخدمها المربي مع الصغار ليشجعهم على الابتكار ، ومن هذه المبادئ:
1- احترام أسئلة الصغار.
2- احترام خيالات الطفل التي تصدر عنه.
3- إظهار أن لأفكارهم قيمة.
وعندما نتامل منهج التربية الإسلامية الصحيح ، نجد الصحابة _ رضي الله عنهم _ يشجعون أبناءهم باستمرار على إبداء آرائهم حتى لو كانوا يجلسون وسط الكبار ، روى البخاري عن عبيد بن عمير قال: قال عمر رضي الله عنه يوما لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : فيم ترون هذه الآية نزلت:" أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون"
قالوا: الله أعلم ، فغضب عمر ،فقال: قولوا نعلم أو لا نعلم ،فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين ، قال عمر: يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك قال: ابن عباس : ضربت مثلا لعمل ، قال عمر: أي عمل؟ قال ابن عباس: "لعمل رجل غني يعمل بطاعة الله عز وجل ، ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله" وفي الموقف السابق: قوة فهم ابن عباس ، وقرب منزلته من عمر وتقديمه له مع صغره وتحريض العالم تلميذه على القول بحضرة من هو أسن منه إذا عرف فيه الأهلية ، لما فيه من تنشيطه وبسط نفسه وترغيبه في العلم"
كتاب" كيف تصنع طفلا مبدعا"