الكرمل اغلى واغلى – بهاء رحال
بين الفعل العمد المقصود مع سبق الاصرار والخطأ الناتج عن عفوية التعامل مع الطبيعة والاستهتار الذي يؤدي الى حدوث كوارث كبيرة خارجة عن السيطرة وتكون بحجم تلك التي حدثت في حيفا لتقتل جمال المكان وروعة الطبيعة الكرملية المزركشة بالنرجس والحنون والصفصاف الجبلي القادم من عمق التاريخ ، بهذا الشكل الجنوني الذي شاهدناه من بعيد ، دخان يتصاعد للأعلى ومساحات من الورد والازهار تبتعلها النيران الحمقى وتأكلها بشراسة دون توقف فلا تبقي منها الا الحطام وبقايا أشجار اتشحت بالسواد فذابت رائحة المكان وتبدلت .
ابتلاع الأشجار والأحجار
في الكرمل طالت النيران كل شيء وابتلعت الشجر واحجار المكان وغابت زقزقة العصافير وبقيت رائحة المنفيين الحالمين بالعودة وقلوبهم تخضّر وتعتصر الماً على ما اصاب حيفا عاصمة الجمال والتاريخ وموطن الروح ، ورفت قلوبهم حول المكان فحيفا حاضرة في قلوب اصحابها الغياب ، وان رحلوا وابتعدت المسافات وفصلتهم عنها ارتال الجند والجدران وإنكسار الزمن ، كانوا هناك وأحلامهم ترفرف في المكان الذي يحترق فيه جمال الطبيعة والنيران تدب من كل اتجاه في واحدة من أجمل عواصم الجمال في العالم.
الكرمل الأغلى والأعلى
في الكرمل كان الوقت يمضي ببطء ، يحرق في ثناياه العمر وأشجار السرو والصنوبر وكانت النيران تأكل ما في طريقها من عشب أخضر وأزهار كانت تملأ مساحات الكرمل في مشهد مبُكي وحزين ، ودموعٌ لم تطفئ حرارة النيران المشتعلة جمراً محمّراً كأنه النهاية ، وكأنه يراد لحيفا أن ينزع منها الروح وتبقى جسداً بلا روح ، كما كان قدر حيفا أن يرحل عنها أهلها المنفيين من أرضها ويرحل عنها الكرمل .
انه الكرمل الأغلى والأعلى وقد أستحق ما رسمته له الطبيعة من جمال وفتنة وإزندان عبر كل العصور بكل الأشكال والالوان وصار معلماً من معالم الجمال في العالم ، صار لوحة لن يصنع مثلها رسام ولا تقدر بثمن .