أسلوب كتابة الحكيم[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]مزج توفيق الحكيم بين الرمزية و الواقعية علي نحو فريد* يتميز
بالخيال والعمق دون تعقيد أو* غموض*. وأصبح هذا الاتجاه هو الذي* يكون مسرحيات
الحكيم بذلك المزاج الخاص والأسلوب المتميز الذي عرف به* . ويتميز الرمز في أدب
توفيق الحكيم بالوضوح وعدم المبالغة في الإغلاق أو الإغراق في الغموض؛ ففي أسطورة*
إيزيس* التي* استوحاها من كتاب الموتى فإن أشلاء أوزوريس الحية في الأسطورة هي
مصر المتقطعة الأوصال التي* تنتظر من* يوحدها ويجمع أبناءها علي* هدف واحد*.
و(عودة الروح*) هي الشرارة التي* أوقدتها الثورة المصرية،* وهو في هذه القصة*
يعمد إلي* دمج تاريخ حياته في الطفولة والصبا بتاريخ مصر،* فيجمع بين الواقعية
والرمزية معا على* نحو جديد،* وتتجلي مقدرة الحكيم الفنية في قدرته الفائقة على*
الإبداع وابتكار الشخصيات وتوظيف الأسطورة والتاريخ على* نحو* يتميز بالبراعة
والإتقان،* ويكشف عن مهارة تمرس وحسن اختيار للقالب الفني الذي* يصب فيه إبداعه،*
سواء في القصة أو المسرحية،* بالإضافة إلي* تنوع مستويات الحوار لديه بما*
يناسب كل شخصية من شخصياته،* ويتفق مع مستواها الفكري* والاجتماعي؛ وهو ما*
يشهد بتمكنه ووعيه*. ويمتاز أسلوب توفيق الحكيم بالدقة والتكثيف الشديد وحشد
المعاني والدلالات والقدرة الفائقة علي* التصوير؛ فهو* يصف في جمل قليلة ما قد
لا* يبلغه* غيره في صفحات طوال،* سواء كان ذلك في رواياته أو مسرحياته*. ويعتني
الحكيم عناية فائقة بدقة تصوير المشاهد،* وحيوية تجسيد الحركة،* ووصف الجوانب
الشعورية والانفعالات النفسية بعمق وإيحاء شديدين*.
وقد مرت كتابات الحكيم
بثلاث مراحل حتى* بلغ* مرحلة النضج،* وهي*:
المرحلة
الثانيةحاول في هذه المرحلة العمل على* مطاوعة الألفاظ للمعاني،*
وإيجاد التطابق بين المعاني في عالمها الذهني المجرد والألفاظ التي* تعبر عنها من
اللغة*. ويلاحظ عليها أنها تمت بشيء من التدرج،* وسارت متنامية نحو التمكن من
الأداة اللغوية والإمساك بناصية التعبير الجيد*. وهذه المرحلة تمثلها مسرحيات
شهرزاد،* والخروج من الجنة،* ورصاصة في القلب،* والزمار*.
المرحلة الثالثةهي مرحلة تطور الكتابة الفنية عند
الحكيم التي* تعكس قدرته علي* صوغ* الأفكار والمعاني بصورة جيدة*. وخلال هذه
المرحلة ظهرت مسرحياته*: (سر المنتحرة*)،* و(نهر الجنون*)،* و(براكسا*)،*
و(سلطان الظلام*)،* و(بجماليون*).
رائد المسرح
الذهنيوبالرغم من الإنتاج المسرحي* الغزير للحكيم،* الذي* يجعله
في مقدمة كتاب المسرح العربي وفي صدارة رواده،* فإنه لم* يكتب إلا عددًا قليلاً*
من المسرحيات التي* يمكن تمثيلها علي* خشبة المسرح ليشاهدها الجمهور،* وإنما
كانت معظم مسرحياته من النوع الذي* يمكن أن* يطلق عليه* (المسرح الذهني*)،*
الذي كتب ليقرأ فيكتشف القارئ من خلاله عالما من الدلائل والرموز التي* يمكن
إسقاطها علي* الواقع في سهولة ويسر؛ لتسهم في تقديم رؤية نقدية للحياة والمجتمع
تتسم بقدر كبير من العمق والوعي*. وهو* يحرص علي تأكيد تلك الحقيقة في العديد من
كتاباته،* ويفسر صعوبة تجسيد مسرحياته وتمثيلها علي* خشبة المسرح؛ فيقول*: (إني
اليوم أقيم مسرحي داخل الذهن،* وأجعل الممثلين أفكارا تتحرك في المطلق من المعاني
مرتدية أثواب الرموز*.. لهذا اتسعت الهوة بيني وبين خشبة المسرح،* ولم أجد قنطرة
تنقل مثل هذه الأعمال إلي* الناس* غير المطبعة*).
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]ولا ترجع أهمية توفيق
الحكيم إلي* كونه صاحب أول مسرحية عربية ناضجة بالمعيار النقدي الحديث فحسب،* وهي
مسرحية* (أهل الكهف)،* وصاحب أول رواية بذلك المعنى المفهوم للرواية الحديثة وهي
رواية* (عودة الروح*)،* اللتين نشرتا عام1932،* وإنما ترجع أهميته أيضًا إلى*
كونه أول مؤلف إبداعي استلهم في أعماله المسرحية الروائية موضوعات مستمدة من
التراث المصري*. وقد استلهم هذا التراث عبر عصوره المختلفة،* سواء كانت فرعونية
أو رومانية أو قبطية أو إسلامية،* كما أنه استمد أيضا شخصياته وقضاياه المسرحية
والروائية من الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي المعاصر لأمته*.
موقفه من الأحزاب والمرأةوبالرغم من ميول الحكيم
الليبرالية ووطنيته؛ فقد حرص علي* استقلاله الفكري والفني،* فلم* يرتبط بأي حزب
سياسي في حياته قبل الثورة؛ فلما قامت ثورة* يوليو 1952،* ارتبط بها وأيدها،*
ولكن في الوقت نفسه كان ناقدًا للجانب الديكتاتوري* غير الديمقراطي الذي اتسمت به
الثورة منذ بدايتها*. كما تبنى الحكيم عددًا من القضايا القومية والاجتماعية وحرص
على تأكيدها في كتاباته،* فقد عنى ببناء الشخصية القومية،* واهتم بتنمية الشعور
الوطني،* ونشر العدل الاجتماعي،* وترسيخ الديمقراطية،* وتأكيد مبدأ الحرية
والمساواة*. ومع ما أشيع عن توفيق الحكيم من عداوته للمرأة فإن كتاباته تشهد بعكس
ذلك تمامًا فقد حظيت المرأة بنصيب وافر في أدب توفيق الحكيم،* وتحدث عنها بكثير من
الإجلال والاحترام الذي* يقترب من التقديس*. والمرأة في أدب الحكيم تتميز
بالايجابية والتفاعل،* ولها تأثير واضح في الأحداث ودفع حركة الحياة،* ويظهر ذلك
بجلاء في مسرحياته شهرزاد،* وايزيس،* والأيدي الناعمة،* وبجماليون،* وقصة
الرباط المقدس،* وعصفور من الشرق،* وعودة الروح*.
الحكيم وعبد الناصرنزّله جمال عبد الناصر منزلة الأب
الروحي لثورة 23 يوليو، بسبب عودة الروح التي أصدرها الحكيم عام 1933، ومهّد بها
لظهور البطل المنتظر الذي سيحيي الأمة من رقادها. ومنحه جمال عبد الناصر عام 1958
قلادة الجمهورية، وحصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1960، ووسام
العلوم والفنون من الدرجة الأولى في نفس العام. ولم يذكر أن عبد الناصر منع أي عمل
لتوفيق الحكيم، حتى عندما أصدر السلطان الحائر بين السيف والقانون في عام 1959،
وبنك القلق عام 1966، حيث انتقد النظام الناصري ودافع عن الديمقراطية. ووصل الأمر
أن عبد الناصر كان بستقبل الحكيم في أي وقت وبغير تحديد لموعد. وهو ما أكده الحكيم
نفسه في جريدة الأهرام في 15 مارس 1965. بعد وفاة عبد الناصر عام 1970 وأثناء تأبين
الزعيم سقط توفيق الحكيم مغمى عليه وهو يحاول تأبينه وبعد أن أفاق قال خطبة طويلة
من ضمنها:
اعذرني يا جمال. القلم يرتعش في يدي. ليس من عادتي الكتابة والألم
يلجم العقل ويذهل الفكر. لن أستطيع الإطالة، لقد دخل الحزن كل بيت تفجعا عليك. لأن
كل بيت فيه قطعة منك. لأن كل فرد قد وضع من قلبه لبنة في صرح بنائك