بعد نكبة فلسطين في العام 1948 أقيمت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين (الأنروا)، لخدمة وتأمين مقومات الحياة، وإعانة اللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا وشردوا من بيوتهم وقراهم وأرضهم، نتيجة الاحتلال والمجازر التي نفذتها العصابات الصهيونية ضدهم، استقر الترحال القسري بهؤلاء اللاجئين في كل دول الطوق (سوريا، الأردن، لبنان، مصر)، وانتقل العديد منهم إلى دول العالم الأخرى.
يعيش اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، في أكثر من خمسة عشر مخيماً وتجمعاً، هذه المخيمات والتجمعات ينقصها الكثير، الكثير من حقوق الحياة الإنسانية، والتي من الواجب على (الأنروا) تأمينها، كونها من صلب عملها، ومن حق هؤلاء اللاجئين.
عمدت (الأنروا) منذ العشر سنوات وأكثر إلى تقليص خدماتها والتي هي أصلاً لا تفي بالحياة الإنسانية، حتى أصبحت شبه معدومة في مجال الخدمات الصحية، والتعليمية، والمعيشية، تأتي هذه السياسة التقليصية في ظلال الهجمة الصهيونية الشرسة التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني، والمصاعب الاجتماعية والاقتصادية الخانقة في الوطن والشتات وفي ظل ظروف صنفتها المؤسسات الإنسانية الدولية بالمأساوية بعد زيارتها للمخيمات الفلسطينية، وإن نسبة 75% من شعبنا اللاجئ في لبنان بات تحت مستوى خط الفقر.
وفي ظل هذه الظروف الصعبة والماسوية التي يعيشها شعبنا الفلسطيني، تطل علينا (الأنروا) بسياستها الظالمة والتآمرية، بقراراتها الجائرة التي أصدرها المدير العام في لبنان الفريد ميتشو وبعض معاونيه السماسرة، من رؤوساء الأقسام وخاصة الصحية والتربوية والمعيشية حتى باتوا معروفين لدى الموظفين الصغار في (الأنروا) ولدى أبناء المخيمات بمافيا الأنروا.
سياسة الأنروا شملت ذوي الأمراض الخبيثة والمستعصية، كالقلب والسرطان، وفي المجالات الاستشفائية الأخرى قلصت خدماتها حتى وصلت إلى العدم، وقد قلصت عدد الأسرة في المستشفيات المتعاقد معها.
أما توزيع المواد الغذائية (الإغاثة) فإنها اقتصرت على بعض اللاجئين تحت اسم (شؤون اجتماعية)، وحرم منها باقي أبناء شعبنا وحتى (الشؤون الاجتماعية) لم تستفد منها بشكل منتظم.
وفي المجال التربوي وبالإضافة إلى سياسة التجهيل التعليمية، وعدم الاهتمام بالمسيرة التعليمية، فقد تعرضت القرطاسية للسرقة والبيع في الأسواق بعد تغيير غلافها.
لقد تحولت المدارس في الأنروا إلى تجارة منتجة للأموال ومصدر إثراء للكثيرين، وخاصة في قسم التربية والمسؤولين عنه، ونريد أن نسأل ما سر العلاقة المالية بين هذا المثلث الأخطبوط الذي يستنزف ويسرق أموال اللاجئين الفلسطينيين الفقراء أصلاً، وما هي حصة السيد ميتشو من هذه التجارة العفنة، ومن الذي يدير هذه التجارة؟ في تلك الإدارة المشبوهة والتي حولت المؤسسات التربوية إلى دكاكين تجارية ومزارع دواجن كما قرأنا وسمعنا أنه في معهد سبيلين، وهل تحولت هذه الكنتينات أي الدكاكين في المدارس إلى سلعة تجارية والتي يتم إعطاءها للمستثمرين ضمن مناقصات علنية، علما أن الذي يحدث في الخفاء يفرض على المستثمر من بعض المتنفذين وأصحاب القرار على دفع مبلغ يومي مقطوع يتراوح ما بين (العشرة آلاف ليرة) و(الأربعين ألف ليرة) فما فوق حسب عدد التلاميذ في المدرسة، فإذا كانت المدرسة تضم (300) طالب يدفع المستثمر عشرة آلاف ليرة، وفي بعض المدارس الأخرى يتم تشغيل الكنتين لحساب بعض المتنفذين والموظفين مقابل أجر يومي مقطوع يعطى للعامل الذي يبيع في الكنتين (هذا مخالف حتى لقوانين الأنروا في هذا الخصوص التي تلتزم أن يتم تسليم هذا الكنتين للمستثمر بعد إجراء المناقصات)، وعلى حد قول بعض مدراء المدارس (والذي رفض ذكر اسمه) فإن هذه المبالغ من المفترض أن تذهب إلى صندوق المدرسة ولكن السؤال يطرح نفسه أين تذهب هذه المبالغ التي تقتطع من الكنتينات، علماً أن هناك موازنات صرف من صندوق المدرسة من أجل خدمة الطالب وتحسين تعليمه وتأمين الاحتياجات للمدرسة والطلاب وشراء الكمبيوترات وماكنات التصوير، فهذا عمل يكافئون عليه، أما الواقع فإنه غير ذلك؛ فما يفيض من أموال في الصناديق المدرسية، كان يوجب عدم وضع أعباء إضافية على الطلاب، فلماذا إذن تطلب من الطلاب المعدمين أصلاً رسوم تسجيل تتراوح ما بين الخمسة آلاف ليرة للابتدائي، وعشرة آلاف للتكميلي، وخمسة وعشرين ألفاً للثانوي، وعدا ما تتفتق عنه ذهنية السمسرة خلال العام الدراسي والتي تجمع من الطلاب كل فترة ألف ليرة لتزيين صف وثلاثة آلاف ليرة ثمن أوراق للامتحانات ولماكنة التصوير أو لتصليحها، والدفع إلزامي للطلاب وإلا يطرد الطالب الذي لا يستطيع أن يدفع، علماً بأن هذا القرار الصادر عن (الأنروا) هو قرار طوعي وليس إلزامي للطلاب.
السؤال أين تذهب تقديمات الأنروا لصندوق المدارس للقيام بكل هذه الاحتياجات؟ أين تذهب الأموال التي تفيض عما يجمع من رسوم الطلاب والكنتين، وكما علمنا فإن هذه المبالغ يتم إرسالها كل عام إلى دائرة التربية والتعليم في (الأنروا) التي تستقطع بنسبة 80 % من المبلغ الموجود، والعلم بيد الله أين يذهب هذا المبلغ فإنه إما يتبخر أو يستقر في جيوب هذا الميتشو وعصابته.
وعلى سبيل الذكر لا التشهير فإننا عندما نسأل مدراء المدارس لتبيان الحقيقة عن كل ما يحدث، ولماذا يقومون بجمع هذه المبالغ من الطلبة، يكون الرد أن كل هذه التصرفات والأمور تحدث في مدارسهم بناء لتعليمات يتلقونها من دائرة التربية والتعليم، وهنا يتبين لنا أن مستثمر الكنتين ومدير المدرسة ومدراء التعليم في المناطق هم أجراء وضحايا السياسات التعسفية والأوامر التي ينفذونها رغماً عنهم، خوفاً على لقمة عيشهم واستمرارهم في وظائفهم، وعدم فصلهم أو اتخاذ قرارات ظالمة بحقهم إذا هم عارضوا ذلك.
وأمام ما يحصل وما يجري كان لا بد لنا من أن نسلط الضوء على بعض الخفايا والحقائق والأمور التي تبين كيف أن هذه العصابة تنهب وتستنزف أموال الشعب الفلسطيني اللاجئ المخصصة لمساعدته أصلاً بناء لقرار الأمم المتحدة بتشكيل هيئة الأنروا.
ويبرز سؤال مهم ما هو دور مدراء التربية في المناطق ولجان الإشراف ومراقبة المدارس ومناهج التعليم فيها وأين دور مدير دائرة التربية والتعليم في لبنان ورئاسة الأنروا وحتى هيئة الامم المتحدة ولماذا تترك الأنروا في لبنان تحت رحمة عصابة لا يملكون الحد الأدنى من الرقابة التي تفرضها عليهم مهنتهم في هكذا مؤسسة إنسانية دولية، والمفترض بها أن تكون نبراساً للشرف والأمانة.
ولفتاً للأنظار والجدير بذكره أن هذه الحقائق التي أوردناها والتي تحصل في مدارس الأنروا في لبنان حصلت فقط في قسم من المدراس في منطقة صيدا لوحدها، حيث أن هناك عشرين مدرسة ما بين الثانوي والتكميلي والابتدائي ويتجاوز عدد الطلبة فيهم الخمسة عشر ألف طالب، لذلك وحفاظاً على حقوق شعبنا التي تهدر وتستنزف وتسرق من بعض المتسلطين وأصحاب القرار فإننا مطالبون جميعاً بالتحرك الجماهيري الفعال والوقوف خلف اللجان الشعبية، التي تتحرك يومياً عبر الاعتصامات والنشاطات، التي تقوم بها من أجل وقف هذه العصابة عصابة الميتشو ومافيا الأنروا، خاصة في قراراتها التي اتخذاتها أخيراً بحق أبناء شعبنا اللاجئ في لبنان وخصوصاً حملة بطاقة (nr) في مجال التعليم والصحة.
وما أوردناه هنا غيض من فيض الفضائح والسرقات التي تقوم بها هذه العصابة المستفيدة في الأنروا، هذه السياسة لا تخدم إلا جيوب هؤلاء اللصوص وتساهم في تجهيل شعبنا الفلسطيني والزياده في إفقاره وتحطيمه والنيل منه، وهذا ينصب في نطاق السياسة الصهيونية.