سعد بن أبي وقاص يضحي بأنفاس أمه:
كان سعد t يقول: (ما أسلم أحد إلا في اليوم الذي أسلمت فيه، ولقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإسلام) [رواه البخاري]
عن أبي عثمان أن سعدًا قال: نزلت هذه الآية فيَّ {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت: ٨].
قال: (كنت برًّا بأمي فلما أسلمت، قالت: يا سعد، ما هذا الدين الذي أحدثت؟ لتدعن دينك أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي فيُقَال: يا قاتل أمه، قلت: لا تفعلي يا أمه، إني لا أدع هذا لشيء.
فمكثت يومًا لا تأكل ولا تشرب، وأصبحت وقد جهدت، فلما رأيت ذلك قلت: يا أمه، تعلمين والله، لو كان لك مائة نفس فخرجت نفسًا نفسًا ما تركت ديني، إن شئتِ فكلي أو لا تأكلي، فلما رأت ذلك أكلت) [تفسير ابن كثير، (6/337)].
زيد بن ثابت يتعلم لغة يهود:
زيد بن ثابت كاتب الوحي وجامع القرآن، قتل أبوه قبل الهجرة يوم بعاث، فتربى زيد يتيمًا، وكان أحد الأذكياء، فلما هاجر النبي r أسلم زيد وهو ابن إحدى عشرة سنة.
وفي غزوة بدر أراد هذا الفتى الصغير أن ينال شرف الجهاد والشهادة في سبيل الله، فأقبل على النبي r، وقال: جُعلت فداك يا رسول الله، ائذن لي أن أكون معك وأجاهد أعداء الله تحت رايتك، فنظر إليه الرسول r نظرة سرور وإعجاب، وطيَّب خاطره ورده لصغر سنه.
عن زيد بن ثابت t قال: (كانت وقعة بُعاث وأنا ابن ست سنين، وكانت قبل هجرة رسول الله r بخمس سنين، فقدم رسول الله r المدينة وأنا ابن إحدى عشرة سنة، وأُتي بي إلى رسول الله r، فقالوا: غلام من الخزرج.
فقرأت ست عشرة سورة فلم أُجَزْ في بدر ولا أُحُد، وأُجِزْتُ في الخندق)[تاريخ دمشق، ابن عساكر، (19/313)].
وعن زيد بن ثابت t قال: (لما قدم النبي r المدينة، قال زيد: ذُهب بي إلى النبي r، فأُعجب بي، فقالوا: يا رسول الله، هذا غلام من بني النجار، معه مما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة، فأَعجب ذلك النبي r، وقال: (يا زيد، تعلَّم لي كتاب يهود، فإني والله ما آمن يهود على كتابي)، قال زيد: فتعلمت كتابهم ما مرت بي خمس عشرة ليلة حتى حذقته، وكنت أقرأ له كتبهم إذا كتبوا إليه، وأجيب عنه إذا كتب) [رواه أحمد في مسنده، وإسناده صحيح].
معاذ ومعوذ وعبد الله بن مسعود يقتلان فرعون هذه الأمة:
قال عبد الرحمن بن عوف t: (بينا أنا واقف في الصف يوم بدر، فنظرت عن يميني وعن شمالي، فإذا أنا بغلامين من الأنصار، حديثة أسنانهما، تمنيت أن أكون بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عم، هل تعرف أبا جهل؟ قلت: نعم، ما حاجتك إليه يا ابن أخي؟ قال: أُخبِرت أنه يسب رسول الله r، والذي نفسي بيده، لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، فتعجبت لذلك.
فغمزني الآخر، فقال لي مثلها، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس قلت: ألا إن هذا صاحبكما الذي سألتماني، فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه.
ثم انصرفا إلى رسول الله r فأخبراه فقال: (أيكما قتله؟)، فقال كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال: (هل مسحتما سيفيكما؟)، قالا: لا، فنظر إلى السيفين، فقال: (كلاكما قتله، سلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح)، وكانا معاذ بن عفراء ومعاذ بن عمرو بن الجموح [متفق عليه]
وفي حديث أنس قال r يوم بدر: (من ينظر لنا ما صنع أبو جهل؟)، فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد، فأخذ بلحيته فقال: أنت أبا جهل، قال: وهل فوق رجل قتله قومه [متفق عليه]
(فلابد لنا من وقفة مع هذا الجيل الفاضل الذي رباه رسولالله صلى الله عليه وسلم فكانوا على أعلى مستوى من الدين والخلق والإخلاص والتفانيفي سبيل نصرة هذا الدين فاستحقوا بذلك رضا الله عز وجل ورضا رسوله صلى الله عليهوسلم، وفتح الله عز وجل بهم البلاد وقلوب العباد، وتكونت الدولةالإسلامية بالمدينة المنورة في فترة كأنها لحظات من عمر الدنيا بعد ثلاثة عشر عاماًمن ابتداء البعثة النبوية المباركة، ثم توالت الانتصارات وانتشر الضوء وعم الخير،فجاء نصر الله والفتح ودخل الناس في دين الله أفواجاً في السنة الثامنة من الهجرة،وما فارق النبي صلى الله عليه وسلم الدنيا حتى عم الإسلام جزيرة العرب ثم سطع النوربعد ذلك في المشارق والمغارب حتى دق المسلمون أبواب فينا في أوربا ووصلوا إلى حدودالصين فلا شك فأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا خير أمة أخرجت للناسو كان الراجح في قوله عز وجل : {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110]أنهاعامة في أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلا أن الصحابة رضي الله عنهم هم خير هذاالخير.
فالواجب على الدعاة والمربين أن يدرسوا المؤهلات التي أهلت الصحابة رضي الله عنهم لتبوأ أعلى المنازلوالوصولإلى أعلى الدرجات في الدنيا والآخرة، حتى يجعلوا خصائصهم ومؤهلاتهم نصب أعينهم وهميقومون بواجب تربية أجيال الصحوة الإسلامية، فغاية المربين إنشاء جيل على نمطالصحابة رضي الله عنهم، في عقيدتهم وفهمهم للكتاب والسنة وطاعتهم لله عز وجل ولرسولهصلى الله عليه وسلم، وزهدهم في الدنيا ورغبتهم في الآخرة، وبذلهم في الله عز وجل طلبالمرضاته، ورغبة في إعزاز دينه ونشر رسالة رسوله صلى الله عليه وسلم) [كيف ربى النبي محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه، كمال بن مختار إسماعيل].
إننا إذا قدمنا القدوة الصالحة لأبنائنا؛ نكون بحق قد حافظنا على فطرتهم الطاهرة وساهمنا في بنائهم إيمانيًّا وأخلاقيًّا وروحيًّا.
فإذا كنا نريد أن نصنع محمد الفاتح من جديد؛ فلابد أن نكون نحن الشيخ "آق شمس الدين"، الذي علم محمد الفاتح القرآن، والذي كان يأخذ بيده ويشير إلى القسطنطينية، فيذكر له حديث رسول الله r: (لتفتحن القسطنطينية؛ فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش) [رواه أحمد في مسنده ، وإسناده صحيح].
(الأطفال هم زينة الحياة الدنيا، يولدون كصفحةٍ بيضاء ، وعلى الآباء والمربين مسؤولية ملء هذه الصفحة بالعقيدة الصحيحة، والأفكار الإسلامية، التي تؤهلهم ليكونوا شبابا ذوي إنتاجية فعّالة في المجتمع ، وسبباً من أسباب رُقيّه وتقدمه ، فهم نواة المجتمع الذي سوف يأتي بعدنا –إن شاء الله- ليكمل مسيرة الاستخلاف في الأرض) [تربية الطفل النفسية في الإسلام، سيما راتب عدنان أبو رموز]
واعلم ـ عزيزي المربي ـ أن بناء طفلك إيمانيًّا ليس من نافلة الأعمال التي يمكنك أن تعطيها فضلة وقتك، ولكنه عمل قد يكون من أثمر وأنفع الأعمال التي قمت بها في حياتك، ليبقى كتاب حسناتك عامرًا حتى بعد موتك بصلاح أبنائك وقربهم من الله تعالى، كما أخبر بذلك النبي r حين قال: (إذا مات الإنسان؛ انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) [رواه مسلم