منتـديآت غرآم للإبـدآع
السلام عليكم الحديث عن الوحي 914774

عزيزي / عزيزتي ألزآئرة يرجى ألتـكرٍم بألدخول إذا كنت عضوا معنا

أو التسجيل إن لم تكن عضو وترغب في الانظمام الى عائلة غرآم للإبداع

ستشرفنا بتسجيلك

شكرا الحديث عن الوحي 754173

إدارة المنتدى
منتـديآت غرآم للإبـدآع
السلام عليكم الحديث عن الوحي 914774

عزيزي / عزيزتي ألزآئرة يرجى ألتـكرٍم بألدخول إذا كنت عضوا معنا

أو التسجيل إن لم تكن عضو وترغب في الانظمام الى عائلة غرآم للإبداع

ستشرفنا بتسجيلك

شكرا الحديث عن الوحي 754173

إدارة المنتدى
منتـديآت غرآم للإبـدآع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتـديآت غرآم للإبـدآع


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الحديث عن الوحي

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
????
زائر




الحديث عن الوحي Empty
مُساهمةموضوع: الحديث عن الوحي   الحديث عن الوحي Icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 28, 2009 8:54 pm


الحديث عن الوحى

الحديث: ((‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏الْحُمَيْدِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الزُّبَيْرِ ‏ ‏قَالَ حَدَّثَنَا ‏ ‏سُفْيَانُ ‏ ‏قَالَ حَدَّثَنَا ‏
‏يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ ‏ ‏قَالَ أَخْبَرَنِي ‏ ‏مُحَمَّدُ
بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ ‏ ‏أَنَّهُ سَمِعَ ‏ ‏عَلْقَمَةَ بْنَ
وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ ‏ ‏يَقُولُ سَمِعْتُ ‏ ‏عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ‏
‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏ ‏عَلَى الْمِنْبَرِ ‏
‏قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏
‏يَقُولُ ‏ ‏إِنَّمَا الْأَعْمَالُ ‏ ‏بِالنِّيَّاتِ ‏ ‏وَإِنَّمَا
لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا ‏
‏يُصِيبُهَا ‏ ‏أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا
هَاجَرَ إِلَيْهِ ‏))

التفسير :


‏قَوْله : ( حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيّ ) ‏
‏هُوَ أَبُو بَكْر عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر بْن عِيسَى , مَنْسُوب
إِلَى حُمَيْدِ بْن أُسَامَة بَطْن مِنْ بَنِي أَسَد بْن عَبْد الْعُزَّى
بْن قُصَيّ رَهْط خَدِيجَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ , يَجْتَمِع مَعَهَا فِي أَسَد وَيَجْتَمِع مَعَ النَّبِيّ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُصَيّ . وَهُوَ إِمَام كَبِير
مُصَنِّف , رَافَقَ الشَّافِعِيّ فِي الطَّلَب عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ
وَطَبَقَته وَأَخَذَ عَنْهُ الْفِقْه وَرَحَلَ مَعَهُ إِلَى مِصْر ,
وَرَجَعَ بَعْد وَفَاته إِلَى مَكَّة إِلَى أَنْ مَاتَ بِهَا سَنَة تِسْع
عَشْرَة وَمِائَتَيْنِ . فَكَأَنَّ الْبُخَارِيّ اِمْتَثَلَ قَوْله صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَدِّمُوا قُرَيْشًا " فَافْتَتَحَ كِتَابه
بِالرِّوَايَةِ عَنْ الْحُمَيْدِيّ لِكَوْنِهِ أَفْقَه قُرَشِيّ أَخَذَ
عَنْهُ . وَلَهُ مُنَاسَبَة أُخْرَى لِأَنَّهُ مَكِّيّ كَشَيْخِهِ
فَنَاسَبَ أَنْ يُذْكَر فِي أَوَّل تَرْجَمَة بَدْء الْوَحْي لِأَنَّ
اِبْتِدَاءَهُ كَانَ بِمَكَّة , وَمِنْ ثَمَّ ثَنَّى بِالرِّوَايَةِ عَنْ
مَالِك لِأَنَّهُ شَيْخ أَهْل الْمَدِينَة وَهِيَ تَالِيَة لِمَكَّة فِي
نُزُول الْوَحْي وَفِي جَمِيع الْفَضْل , وَمَالِك وَابْن عُيَيْنَةَ
قَرِينَانِ , قَالَ الشَّافِعِيّ : لَوْلَاهُمَا لَذَهَبَ الْعِلْم مِنْ
الْحِجَاز . ‏

‏قَوْله : ( حَدَّثَنَا سُفْيَان ) ‏
‏هُوَ اِبْن عُيَيْنَةَ بْن أَبِي عِمْرَان الْهِلَالِيّ أَبُو مُحَمَّد
الْمَكِّيّ , أَصْله وَمَوْلِده الْكُوفَة , وَقَدْ شَارَكَ مَالِكًا فِي
كَثِير مِنْ شُيُوخه وَعَاشَ بَعْده عِشْرِينَ سَنَة , وَكَانَ يُذْكَر
أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ سَبْعِينَ مِنْ التَّابِعِينَ . ‏

‏قَوْله : ( عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد ) ‏
‏فِي رِوَايَة غَيْر أَبِي ذَرّ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد
الْأَنْصَارِيّ . اِسْم جَدّه قَيْس بْن عَمْرو وَهُوَ صَحَابِيّ ,
وَيَحْيَى مِنْ صِغَار التَّابِعِينَ , وَشَيْخه مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم
بْن الْحَارِث بْن خَالِد التَّيْمِيُّ مِنْ أَوْسَاط التَّابِعِينَ ,
وَشَيْخ مُحَمَّد عَلْقَمَة بْن وَقَّاص اللَّيْثِيّ مِنْ كِبَارهمْ ,
فَفِي الْإِسْنَاد ثَلَاثَة مِنْ التَّابِعِينَ فِي نَسَق . وَفِي
الْمَعْرِفَة لِابْنِ مَنْدَهْ مَا ظَاهِره أَنَّ عَلْقَمَة صَحَابِيّ ,
فَلَوْ ثَبَتَ لَكَانَ فِيهِ تَابِعِيَّانِ وَصَحَابِيَّانِ , وَعَلَى
رِوَايَة أَبِي ذَرّ يَكُون قَدْ اِجْتَمَعَ فِي هَذَا الْإِسْنَاد
أَكْثَر الصِّيَغ الَّتِي يَسْتَعْمِلهَا الْمُحَدِّثُونَ , وَهِيَ
التَّحْدِيث وَالْإِخْبَار وَالسَّمَاع وَالْعَنْعَنَة وَاَللَّه أَعْلَم
. وَقَدْ اُعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّف فِي إِدْخَاله حَدِيث الْأَعْمَال
هَذَا فِي تَرْجَمَة بَدْء الْوَحْي وَأَنَّهُ لَا تَعَلُّق لَهُ بِهِ
أَصْلًا , بِحَيْثُ إِنَّ الْخَطَّابِيّ فِي شَرْحه وَالْإِسْمَاعِيلِيّ
فِي مُسْتَخْرَجه أَخْرَجَاهُ قَبْل التَّرْجَمَة لِاعْتِقَادِهِمَا
أَنَّهُ إِنَّمَا أَوْرَدَهُ لِلتَّبَرُّكِ بِهِ فَقَطْ , وَاسْتَصْوَبَ
أَبُو الْقَاسِم بْن مَنْدَهْ صَنِيع الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي ذَلِكَ ,
وَقَالَ اِبْن رَشِيد : لَمْ يَقْصِد الْبُخَارِيّ بِإِيرَادِهِ سِوَى
بَيَان حُسْن نِيَّته فِيهِ فِي هَذَا التَّأْلِيف , وَقَدْ تُكُلِّفَتْ
مُنَاسَبَته لِلتَّرْجَمَةِ , فَقَالَ : كُلّ بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لَهُ .
اِنْتَهَى . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُقِيمهُ مَقَام
الْخُطْبَة لِلْكِتَابِ ; لِأَنَّ فِي سِيَاقه أَنَّ عُمَر قَالَهُ عَلَى
الْمِنْبَر بِمَحْضَرِ الصَّحَابَة , فَإِذَا صَلَحَ أَنْ يَكُون فِي
خُطْبَة الْمِنْبَر صَلَحَ أَنْ يَكُون فِي خُطْبَة الْكُتُب . وَحَكَى
الْمُهَلَّب أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ
بِهِ حِين قَدِمَ الْمَدِينَة مُهَاجِرًا , فَنَاسَبَ إِيرَاده فِي بَدْء
الْوَحْي ; لِأَنَّ الْأَحْوَال الَّتِي كَانَتْ قَبْل الْهِجْرَة كَانَتْ
كَالْمُقَدِّمَةِ لَهَا لِأَنَّ بِالْهِجْرَةِ اُفْتُتِحَ الْإِذْن فِي
قِتَال الْمُشْرِكِينَ , وَيَعْقُبهُ النَّصْر وَالظَّفَر وَالْفَتْح
اِنْتَهَى . وَهَذَا وَجْه حَسَن , إِلَّا أَنَّنِي لَمْ أَرَ مَا
ذَكَرَهُ - مِنْ كَوْنه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ بِهِ
أَوَّل مَا هَاجَرَ - مَنْقُولًا . وَقَدْ وَقَعَ فِي بَاب تَرْك الْحِيَل
بِلَفْظِ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُول " يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ "
الْحَدِيث , فَفِي هَذَا إِيمَاء إِلَى أَنَّهُ كَانَ فِي حَال الْخُطْبَة
, أَمَّا كَوْنه كَانَ فِي اِبْتِدَاء قُدُومه إِلَى الْمَدِينَة فَلَمْ
أَرَ مَا يَدُلّ عَلَيْهِ , وَلَعَلَّ قَائِله اِسْتَنَدَ إِلَى مَا
رُوِيَ فِي قِصَّة مُهَاجِر أُمّ قَيْس , قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد :
نَقَلُوا أَنَّ رَجُلًا هَاجَرَ مِنْ مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة لَا يُرِيد
بِذَلِكَ فَضِيلَة الْهِجْرَة وَإِنَّمَا هَاجَرَ لِيَتَزَوَّج اِمْرَأَة
تُسَمَّى أُمّ قَيْس , فَلِهَذَا خُصَّ فِي الْحَدِيث ذِكْر الْمَرْأَة
دُون سَائِر مَا يُنْوَى بِهِ , اِنْتَهَى . وَهَذَا لَوْ صَحَّ لَمْ
يَسْتَلْزِم الْبُدَاءَة بِذِكْرِهِ أَوَّل الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة .
وَقِصَّة مُهَاجِر أُمّ قَيْس رَوَاهَا سَعِيد مِنْ مَنْصُور قَالَ
أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَنْ الْأَعْمَش عَنْ شَقِيق عَنْ عَبْد
اللَّه - هُوَ اِبْن مَسْعُود - قَالَ : مَنْ هَاجَرَ يَبْتَغِي شَيْئًا
فَإِنَّمَا لَهُ ذَلِكَ , هَاجَرَ رَجُل لِيَتَزَوَّج اِمْرَأَة يُقَال
لَهَا أُمّ قَيْس فَكَانَ يُقَال لَهُ مُهَاجِر أُمّ قَيْس وَرَوَاهُ
الطَّبَرَانِيّ مِنْ طَرِيق أُخْرَى عَنْ الْأَعْمَش بِلَفْظِ : كَانَ
فِينَا رَجُل خَطَبَ اِمْرَأَة يُقَال لَهَا أُمّ قَيْس فَأَبَتْ أَنْ
تَتَزَوَّجهُ حَتَّى يُهَاجِر فَهَاجَرَ فَتَزَوَّجَهَا , فَكُنَّا
نُسَمِّيه مُهَاجِر أُمّ قَيْس . وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح عَلَى شَرْط
الشَّيْخَيْنِ , لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ حَدِيث الْأَعْمَال سِيقَ
بِسَبَبِ ذَلِكَ , وَلَمْ أَرَ فِي شَيْء مِنْ الطُّرُق مَا يَقْتَضِي
التَّصْرِيح بِذَلِكَ . وَأَيْضًا فَلَوْ أَرَادَ الْبُخَارِيّ إِقَامَته
مَقَام الْخُطْبَة فَقَطْ أَوْ الِابْتِدَاء بِهِ تَيَمُّنًا وَتَرْغِيبًا
فِي الْإِخْلَاص لَكَانَ سَاقَهُ قَبْل التَّرْجَمَة كَمَا قَالَ
الْإِسْمَاعِيلِيّ وَغَيْره وَنَقَلَ اِبْن بَطَّال عَنْ أَبِي عَبْد
اللَّه بْن النَّجَّار قَالَ : التَّبْوِيب يَتَعَلَّق بِالْآيَةِ
وَالْحَدِيث مَعًا ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَوْحَى إِلَى الْأَنْبِيَاء
ثُمَّ إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْأَعْمَال
بِالنِّيَّاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا
اللَّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين } . ‏
‏وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة فِي قَوْله تَعَالَى { شَرَعَ لَكُمْ مِنْ
الدِّين مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا } قَالَ وَصَّاهُمْ بِالْإِخْلَاصِ فِي
عِبَادَته . وَعَنْ أَبِي عَبْد الْمَلِك الْبَوْنِيّ قَالَ : مُنَاسَبَة
الْحَدِيث لِلتَّرْجَمَةِ أَنَّ بَدْء الْوَحْي كَانَ بِالنِّيَّةِ ;
لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى فَطَرَ مُحَمَّدًا عَلَى التَّوْحِيد وَبَغَّضَ
إِلَيْهِ الْأَوْثَان وَوَهَبَ لَهُ أَوَّل أَسْبَاب النُّبُوَّة وَهِيَ
الرُّؤْيَا الصَّالِحَة , فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَخْلَصَ إِلَى اللَّه
فِي ذَلِكَ فَكَانَ يَتَعَبَّد بِغَارِ حِرَاء فَقَبِلَ اللَّه عَمَله
وَأَتَمَّ لَهُ النِّعْمَة . وَقَالَ الْمُهَلَّب مَا مُحَصَّله : قَصَدَ
الْبُخَارِيّ الْإِخْبَار عَنْ حَال النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي حَال مَنْشَئِهِ وَأَنَّ اللَّه بَغَّضَ إِلَيْهِ
الْأَوْثَان وَحَبَّبَ إِلَيْهِ خِلَال الْخَيْر وَلُزُوم الْوَحْدَة
فِرَارًا مِنْ قُرَنَاء السُّوء , فَلَمَّا لَزِمَ ذَلِكَ أَعْطَاهُ
اللَّه عَلَى قَدْر نِيَّته وَوَهَبَ لَهُ النُّبُوَّة كَمَا يُقَال
الْفَوَاتِح عُنْوَان الْخَوَاتِم . وَلَخَّصَهُ بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا
الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ . ‏
‏وَقَالَ اِبْن الْمُنِير فِي أَوَّل التَّرَاجِم : كَانَ مُقَدِّمَة
النُّبُوَّة فِي حَقّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْهِجْرَة إِلَى اللَّه تَعَالَى بِالْخَلْوَةِ فِي غَار حِرَاء
فَنَاسَبَ الِافْتِتَاح بِحَدِيثِ الْهِجْرَة . وَمِنْ الْمُنَاسَبَات
الْبَدِيعَة الْوَجِيزَة مَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَة إِلَيْهِ أَنَّ
الْكِتَاب لَمَّا كَانَ مَوْضُوعًا لِجَمْعِ وَحْي السُّنَّة صَدَّرَهُ
بِبَدْءِ الْوَحْي , وَلَمَّا كَانَ الْوَحْي لِبَيَانِ الْأَعْمَال
الشَّرْعِيَّة صَدَّرَهُ بِحَدِيثِ الْأَعْمَال , وَمَعَ هَذِهِ
الْمُنَاسَبَات لَا يَلِيق الْجَزْم بِأَنَّهُ لَا تَعَلُّق لَهُ
بِالتَّرْجَمَةِ أَصْلًا . وَاَللَّه يَهْدِي مَنْ يَشَاء إِلَى صِرَاط
مُسْتَقِيم . وَقَدْ تَوَاتَرَ النَّقْل عَنْ الْأَئِمَّة فِي تَعْظِيم
قَدْر هَذَا الْحَدِيث : قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه : لَيْسَ فِي أَخْبَار
النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْء أَجْمَع وَأَغْنَى
وَأَكْثَر فَائِدَة مِنْ هَذَا الْحَدِيث . وَاتَّفَقَ عَبْد الرَّحْمَن
بْن مَهْدِيّ وَالشَّافِعِيّ فِيمَا نَقَلَهُ الْبُوَيْطِيّ عَنْهُ
وَأَحْمَد بْن حَنْبَل وَعَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ وَأَبُو دَاوُدَ
وَالتِّرْمِذِيّ والدَّارَقُطْنِيّ وَحَمْزَة الْكِنَانِيّ عَلَى أَنَّهُ
ثُلُث الْإِسْلَام , وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ رُبْعه , وَاخْتَلَفُوا فِي
تَعْيِين الْبَاقِي . وَقَالَ اِبْن مَهْدِيّ أَيْضًا : يَدْخُل فِي
ثَلَاثِينَ بَابًا مِنْ الْعِلْم , وَقَالَ الشَّافِعِيّ : يَدْخُل فِي
سَبْعِينَ بَابًا , وَيُحْتَمَل أَنْ يُرِيد بِهَذَا الْعَدَد
الْمُبَالَغَة . وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ أَيْضًا :
يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَل هَذَا الْحَدِيث رَأْس كُلّ بَاب . وَوَجَّهَ
الْبَيْهَقِيُّ كَوْنه ثُلُث الْعِلْم بِأَنَّ كَسْب الْعَبْد يَقَع
بِقَلْبِهِ وَلِسَانه وَجَوَارِحه , فَالنِّيَّة أَحَد أَقْسَامهَا
الثَّلَاثَة وَأَرْجَحهَا ; لِأَنَّهَا قَدْ تَكُون عِبَادَة مُسْتَقِلَّة
وَغَيْرهَا يَحْتَاج إِلَيْهَا , وَمِنْ ثَمَّ وَرَدَ : نِيَّة الْمُؤْمِن
خَيْر مِنْ عَمَله , فَإِذَا نَظَرْت إِلَيْهَا كَانَتْ خَيْر
الْأَمْرَيْنِ . وَكَلَام الْإِمَام أَحْمَد يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ
بِكَوْنِهِ ثُلُث الْعِلْم أَنَّهُ أَرَادَ أَحَد الْقَوَاعِد الثَّلَاثَة
الَّتِي تُرَدّ إِلَيْهَا جَمِيع الْأَحْكَام عِنْده , وَهِيَ هَذَا وَ "
مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرنَا فَهُوَ رَدّ " وَ "
الْحَلَال بَيِّن وَالْحَرَام بَيِّن " الْحَدِيث . ثُمَّ إِنَّ هَذَا
الْحَدِيث مُتَّفَق عَلَى صِحَّته أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّة الْمَشْهُورُونَ
إِلَّا الْمُوَطَّأ , وَوَهَمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ فِي الْمُوَطَّأ
مُغْتَرًّا بِتَخْرِيجِ الشَّيْخَيْنِ لَهُ وَالنَّسَائِيّ مِنْ طَرِيق
مَالِك , وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيّ : قَدْ يَكُون هَذَا
الْحَدِيث عَلَى طَرِيقَة بَعْض النَّاس مَرْدُودًا لِكَوْنِهِ فَرْدًا ;
لِأَنَّهُ لَا يُرْوَى عَنْ عُمَر إِلَّا مِنْ رِوَايَة عَلْقَمَة , وَلَا
عَنْ عَلْقَمَة إِلَّا مِنْ رِوَايَة مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم وَلَا عَنْ
مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم إِلَّا مِنْ رِوَايَة يَحْيَى بْن سَعِيد ,
وَهُوَ كَمَا قَالَ , فَإِنَّهُ إِنَّمَا اِشْتَهَرَ عَنْ يَحْيَى بْن
سَعِيد وَتَفَرَّدَ بِهِ مَنْ فَوْقه وَبِذَلِكَ جَزَمَ التِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ وَالْبَزَّار وَابْن السَّكَن وَحَمْزَة بْن مُحَمَّد
الْكِنَانِيّ , وَأَطْلَقَ الْخَطَّابِيُّ نَفْي الْخِلَاف بَيْن أَهْل
الْحَدِيث فِي أَنَّهُ لَا يُعْرَف إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد , وَهُوَ
كَمَا قَالَ لَكِنْ بِقَيْدَيْنِ : ‏
‏أَحَدهمَا : الصِّحَّة لِأَنَّهُ وَرَدَ مِنْ طُرُق مَعْلُولَة ذَكَرَهَا
الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَبُو الْقَاسِم بْن مَنْدَهْ وَغَيْرهمَا . ‏
‏ثَانِيهمَا : السِّيَاق لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي مَعْنَاهُ عِدَّة أَحَادِيث
صَحَّتْ فِي مُطْلَق النِّيَّة كَحَدِيثِ عَائِشَة وَأُمّ سَلَمَة عِنْد
مُسْلِم " يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتهمْ " , وَحَدِيث اِبْن عَبَّاس "
وَلَكِنْ جِهَاد وَنِيَّة " , وَحَدِيث أَبِي مُوسَى " مَنْ قَاتَلَ
لِتَكُونَ كَلِمَة اللَّه هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيل اللَّه "
مُتَّفَق عَلَيْهِمَا , وَحَدِيث اِبْن مَسْعُود " رُبَّ قَتِيل بَيْن
الصَّفَّيْنِ اللَّه أَعْلَم بِنِيَّتِهِ " أَخْرَجَهُ أَحْمَد , وَحَدِيث
عُبَادَةَ " مَنْ غَزَا وَهُوَ لَا يَنْوِي إِلَّا عِقَالًا فَلَهُ مَا
نَوَى " أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ , إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَسَّر
حَصْره , وَعُرِفَ بِهَذَا التَّقْرِير غَلَط مَنْ زَعَمَ أَنَّ حَدِيث
عُمَر مُتَوَاتِر , إِلَّا إِنْ حُمِلَ عَلَى التَّوَاتُر الْمَعْنَوِيّ
فَيُحْتَمَل . نَعَمْ قَدْ تَوَاتَرَ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد : فَحَكَى
مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن سَعِيد النَّقَّاش الْحَافِظ أَنَّهُ رَوَاهُ
عَنْ يَحْيَى مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ نَفْسًا , وَسَرَدَ أَسْمَاءَهُمْ
أَبُو الْقَاسِم بْن مَنْدَهْ فَجَاوَزَ الثَّلَثمِائَةِ , وَرَوَى أَبُو
مُوسَى الْمَدِينِيّ عَنْ بَعْض مَشَايِخه مُذَاكَرَة عَنْ الْحَافِظ
أَبِي إِسْمَاعِيل الْأَنْصَارِيّ الْهَرَوِيّ قَالَ : كَتَبْته مِنْ
حَدِيث سَبْعمِائَةٍ مِنْ أَصْحَاب يَحْيَى . قُلْت : وَأَنَا أَسْتَبْعِد
صِحَّة هَذَا , فَقَدْ تَتَبَّعْت طُرُقه مِنْ الرِّوَايَات الْمَشْهُورَة
وَالْأَجْزَاء الْمَنْثُورَة مُنْذُ طَلَبْت الْحَدِيث إِلَى وَقْتِي
هَذَا فَمَا قَدَرْت عَلَى تَكْمِيل الْمِائَة , وَقَدْ تَتَبَّعْت طُرُق
غَيْره فَزَادَتْ عَلَى مَا نُقِلَ عَمَّنْ تَقَدَّمَ , كَمَا سَيَأْتِي
مِثَال لِذَلِكَ فِي الْكَلَام عَلَى حَدِيث اِبْن عُمَر فِي غُسْل
الْجُمُعَة إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . ‏

‏قَوْله : ( عَلَى الْمِنْبَر ) ‏
‏بِكَسْرِ الْمِيم , وَاللَّام لِلْعَهْدِ , أَيْ مِنْبَر الْمَسْجِد
النَّبَوِيّ , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة حَمَّاد بْن زَيْد عَنْ يَحْيَى فِي
تَرْك الْحِيَل : سَمِعْت عُمَر يَخْطُب . ‏

‏قَوْله : ( إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ ) ‏
‏كَذَا أُورِدَ هُنَا , وَهُوَ مِنْ مُقَابَلَة الْجَمْع بِالْجَمْعِ ,
أَيْ كُلّ عَمَل بِنِيَّتِهِ . وَقَالَ الْخُوبِيّ كَأَنَّهُ أَشَارَ
بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ النِّيَّة تَتَنَوَّع كَمَا تَتَنَوَّع الْأَعْمَال
كَمَنْ قَصَدَ بِعَمَلِهِ وَجْه اللَّه أَوْ تَحْصِيل مَوْعُوده أَوْ
الِاتِّقَاء لِوَعِيدِهِ . وَوَقَعَ فِي مُعْظَم الرِّوَايَات بِإِفْرَادِ
النِّيَّة , وَوَجْهه أَنَّ مَحَلّ النِّيَّة الْقَلْب وَهُوَ مُتَّحِد
فَنَاسَبَ إِفْرَادهَا . بِخِلَافِ الْأَعْمَال فَإِنَّهَا مُتَعَلِّقَة
بِالظَّوَاهِرِ وَهِيَ مُتَعَدِّدَة فَنَاسَبَ جَمْعهَا ; وَلِأَنَّ
النِّيَّة تَرْجِع إِلَى الْإِخْلَاص وَهُوَ وَاحِد لِلْوَاحِدِ الَّذِي
لَا شَرِيك لَهُ . وَوَقَعَتْ فِي صَحِيح اِبْن حِبَّانَ بِلَفْظِ "
الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ " بِحَذْفِ " إِنَّمَا " وَجَمْع الْأَعْمَال
وَالنِّيَّات , وَهِيَ مَا وَقَعَ فِي كِتَاب الشِّهَاب لِلْقُضَاعِيّ
وَوَصَلَهُ فِي مُسْنَده كَذَلِكَ , وَأَنْكَرَهُ أَبُو مُوسَى
الْمَدِينِيّ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيّ وَأَقَرَّهُ , وَهُوَ مُتَعَقَّب
بِرِوَايَةِ اِبْن حِبَّانَ , بَلْ وَقَعَ فِي رِوَايَة مَالِك عَنْ
يَحْيَى عِنْد الْبُخَارِيّ فِي كِتَاب الْإِيمَان بِلَفْظِ " الْأَعْمَال
بِالنِّيَّةِ " , وَكَذَا فِي الْعِتْق مِنْ رِوَايَة الثَّوْرِيّ , وَفِي
الْهِجْرَة مِنْ رِوَايَة حَمَّاد بْن زَيْد , وَوَقَعَ عِنْده فِي
النِّكَاح بِلَفْظِ " الْعَمَل بِالنِّيَّةِ " بِإِفْرَادِ كُلّ مِنْهُمَا
. وَالنِّيَّة بِكَسْرِ النُّون وَتَشْدِيد التَّحْتَانِيَّة عَلَى
الْمَشْهُور , وَفِي بَعْض اللُّغَات بِتَخْفِيفِهَا . قَالَ
الْكَرْمَانِيُّ قَوْله " إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ " هَذَا
التَّرْكِيب يُفِيد الْحَصْر عِنْد الْمُحَقِّقِينَ , وَاخْتُلِفَ فِي
وَجْه إِفَادَته فَقِيلَ لِأَنَّ الْأَعْمَال جَمْع مُحَلًّى بِالْأَلِفِ
وَاللَّام مُفِيد لِلِاسْتِغْرَاقِ , وَهُوَ مُسْتَلْزِم لِلْقَصْرِ
لِأَنَّ مَعْنَاهُ كُلّ عَمَل بِنِيَّةٍ فَلَا عَمَل إِلَّا بِنِيَّةٍ ,
وَقِيلَ لِأَنَّ إِنَّمَا لِلْحَصْرِ , وَهَلْ إِفَادَتهَا لَهُ
بِالْمَنْطُوقِ أَوْ بِالْمَفْهُومِ , أَوْ تُفِيد الْحَصْر بِالْوَضْعِ
أَوْ الْعُرْف , أَوْ تُفِيدهُ بِالْحَقِيقَةِ أَوْ بِالْمَجَازِ ؟
وَمُقْتَضَى كَلَام الْإِمَام وَأَتْبَاعه أَنَّهَا تُفِيدهُ
بِالْمَنْطُوقِ وَضْعًا حَقِيقِيًّا , بَلْ نَقَلَهُ شَيْخنَا شَيْخ
الْإِسْلَام عَنْ جَمِيع أَهْل الْأُصُول مِنْ الْمَذَاهِب الْأَرْبَعَة
إِلَّا الْيَسِير كَالْآمِدِيّ , وَعَلَى الْعَكْس مِنْ ذَلِكَ أَهْل
الْعَرَبِيَّة , وَاحْتَجَّ بَعْضهمْ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلْحَصْرِ
لَمَا حَسُنَ إِنَّمَا قَامَ زَيْد فِي جَوَاب هَلْ قَامَ عَمْرو ,
أُجِيبَ بِأَنَّهُ يَصِحّ أَنَّهُ يَقَع فِي مِثْل هَذَا الْجَوَاب مَا
قَامَ إِلَّا زَيْد وَهِيَ لِلْحَصْرِ اِتِّفَاقًا , وَقِيلَ : لَوْ
كَانَتْ لِلْحَصْرِ لَاسْتَوَى إِنَّمَا قَامَ زَيْد مَعَ مَا قَامَ
إِلَّا زَيْد , وَلَا تَرَدُّد فِي أَنَّ الثَّانِي أَقْوَى مِنْ
الْأَوَّل , وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ هَذِهِ الْقُوَّة نَفْي
الْحَصْر فَقَدْ يَكُون أَحَد اللَّفْظَيْنِ أَقْوَى مِنْ الْآخَر مَعَ
اِشْتِرَاكهمَا فِي أَصْل الْوَضْع كَسَوْفَ وَالسِّين , وَقَدْ وَقَعَ
اِسْتِعْمَال إِنَّمَا مَوْضِع اِسْتِعْمَال النَّفْي وَالِاسْتِثْنَاء
كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )
وَكَقَوْلِهِ : ( وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )
وَقَوْله : ( إِنَّمَا عَلَى رَسُولنَا الْبَلَاغ الْمُبِين ) وَقَوْله :
( مَا عَلَى الرَّسُول إِلَّا الْبَلَاغ ) وَمِنْ شَوَاهِده قَوْل
الْأَعْشَى : ‏ ‏وَلَسْت بِالْأَكْثَرِ مِنْهُمْ حَصًى ‏ ‏وَإِنَّمَا
الْعِزَّة لِلْكَاثِرِ ‏ ‏يَعْنِي مَا ثَبَتَتْ الْعِزَّة إِلَّا لِمَنْ
كَانَ أَكْثَر حَصًى . وَاخْتَلَفُوا : هَلْ هِيَ بَسِيطَة أَوْ
مُرَكَّبَة , فَرَجَّحُوا الْأَوَّل , وَقَدْ يُرَجَّح الثَّانِي ,
وَيُجَاب عَمَّا أُورِدَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلهمْ إِنَّ " إِنَّ "
لِلْإِثْبَاتِ وَ " مَا " لِلنَّفْيِ فَيَسْتَلْزِم اِجْتِمَاع
الْمُتَضَادَّيْنِ عَلَى صَدَد وَاحِد بِأَنْ يُقَال مَثَلًا : أَصْلهمَا
كَانَ لِلْإِثْبَاتِ وَالنَّفْي , لَكِنَّهُمَا بَعْد التَّرْكِيب لَمْ
يَبْقَيَا عَلَى أَصْلهمَا بَلْ أَفَادَا شَيْئًا آخَر , أَشَارَ إِلَى
ذَلِكَ الْكَرْمَانِيُّ قَالَ : وَأَمَّا قَوْل مَنْ قَالَ إِفَادَة هَذَا
السِّيَاق لِلْحَصْرِ مِنْ جِهَة أَنَّ فِيهِ تَأْكِيدًا بَعْد تَأْكِيد
وَهُوَ الْمُسْتَفَاد مِنْ إِنَّمَا وَمِنْ الْجَمْع , فَتُعُقِّبَ
بِأَنَّهُ مِنْ بَاب إِيهَام الْعَكْس ; لِأَنَّ قَائِله لَمَّا رَأَى
أَنَّ الْحَصْر فِيهِ تَأْكِيد عَلَى تَأْكِيد ظَنَّ أَنَّ كُلّ مَا
وَقَعَ كَذَلِكَ يُفِيد الْحَصْر . وَقَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد :
اُسْتُدِلَّ عَلَى إِفَادَة إِنَّمَا لِلْحَصْرِ بِأَنَّ اِبْن عَبَّاس
اِسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرِّبَا لَا يَكُون إِلَّا فِي النَّسِيئَة
بِحَدِيثِ " إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَة " , وَعَارَضَهُ جَمَاعَة
مِنْ الصَّحَابَة فِي الْحُكْم وَلَمْ يُخَالِفُوهُ فِي فَهْمه فَكَانَ
كَالِاتِّفَاقِ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهَا تُفِيد الْحَصْر . وَتُعُقِّبَ
بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونُوا تَرَكُوا الْمُعَارَضَة بِذَلِكَ تَنَزُّلًا
. وَأَمَّا مَنْ قَالَ : يُحْتَمَل أَنْ يَكُون اِعْتِمَادهمْ عَلَى
قَوْله " لَا رِبَا إِلَّا فِي النَّسِيئَة " لِوُرُودِ ذَلِكَ فِي بَعْض
طُرُق الْحَدِيث الْمَذْكُور , فَلَا يُفِيد ذَلِكَ فِي رَدّ إِفَادَة
الْحَصْر , بَلْ يُقَوِّيه وَيُشْعِر بِأَنَّ مُفَاد الصِّيغَتَيْنِ
عِنْدهمْ وَاحِد , وَإِلَّا لَمَا اِسْتَعْمَلُوا هَذِهِ مَوْضِع هَذِهِ .
وَأَوْضَح مِنْ هَذَا حَدِيث " إِنَّمَا الْمَاء مِنْ الْمَاء " فَإِنَّ
الصَّحَابَة الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَيْهِ لَمْ يُعَارِضهُمْ الْجُمْهُور
فِي فَهْم الْحَصْر مِنْهُ , وَإِنَّمَا عَارَضَهُمْ فِي الْحُكْم مِنْ
أَدِلَّة أُخْرَى كَحَدِيثِ " إِذَا اِلْتَقَى الْخِتَانَانِ " وَقَالَ
اِبْن عَطِيَّة : إِنَّمَا لَفْظ لَا يُفَارِقهُ الْمُبَالَغَة
وَالتَّأْكِيد حَيْثُ وَقَعَ , وَيَصْلُح مَعَ ذَلِكَ لِلْحَصْرِ إِنْ
دَخَلَ فِي قِصَّة سَاعَدَتْ عَلَيْهِ , فَجُعِلَ وُرُوده لِلْحَصْرِ
مَجَازًا يَحْتَاج إِلَى قَرِينَة , وَكَلَام غَيْره عَلَى الْعَكْس مِنْ
ذَلِكَ وَأَنَّ أَصْل وُرُودهَا لِلْحَصْرِ , لَكِنْ قَدْ يَكُون فِي
شَيْء مَخْصُوص كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( إِنَّمَا اللَّه إِلَه وَاحِد )
فَإِنَّهُ سِيقَ بِاعْتِبَارِ مُنْكِرِي الْوَحْدَانِيَّة , وَإِلَّا
فَلِلَّهِ سُبْحَانه صِفَات أُخْرَى كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَة ,
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى ( إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِر ) فَإِنَّهُ سِيقَ
بِاعْتِبَارِ مُنْكِرِي الرِّسَالَة , وَإِلَّا فَلَهُ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِفَات أُخْرَى كَالْبِشَارَةِ , إِلَى غَيْر ذَلِكَ
مِنْ الْأَمْثِلَة . وَهِيَ - فِيمَا يُقَال - السَّبَب فِي قَوْل مَنْ
مَنَعَ إِفَادَتهَا لِلْحَصْرِ مُطْلَقًا . ‏
‏( تَكْمِيل ) : ‏
‏الْأَعْمَال تَقْتَضِي عَامِلَيْنِ , وَالتَّقْدِير : الْأَعْمَال
الصَّادِرَة مِنْ الْمُكَلَّفِينَ , وَعَلَى هَذَا هَلْ تَخْرُج أَعْمَال
الْكُفَّار ؟ الظَّاهِر الْإِخْرَاج ; لِأَنَّ الْمُرَاد بِالْأَعْمَالِ
أَعْمَال الْعِبَادَة وَهِيَ لَا تَصِحّ مِنْ الْكَافِر وَإِنْ كَانَ
مُخَاطَبًا بِهَا مُعَاقَبًا عَلَى تَرْكهَا وَلَا يُرَدّ الْعِتْق
وَالصَّدَقَة لِأَنَّهُمَا بِدَلِيلٍ آخَر . ‏
‏قَوْله : ( بِالنِّيَّاتِ ) الْبَاء لِلْمُصَاحَبَةِ , وَيُحْتَمَل أَنْ
تَكُون لِلسَّبَبِيَّةِ بِمَعْنَى أَنَّهَا مُقَوِّمَة لِلْعَمَلِ
فَكَأَنَّهَا سَبَب فِي إِيجَاده , وَعَلَى الْأَوَّل فَهِيَ مِنْ نَفْس
الْعَمَل فَيُشْتَرَط أَنْ لَا تَتَخَلَّف عَنْ أَوَّله . قَالَ
النَّوَوِيّ : النِّيَّة الْقَصْد , وَهِيَ عَزِيمَة الْقَلْب .
وَتَعَقَّبَهُ الْكَرْمَانِيُّ بِأَنَّ عَزِيمَة الْقَلْب قَدْر زَائِد
عَلَى أَصْل الْقَصْد . وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاء هَلْ هِيَ رُكْن أَوْ
شَرْط ؟ وَالْمُرَجَّح أَنَّ إِيجَادهَا ذِكْرًا فِي أَوَّل الْعَمَل
رُكْن , وَاسْتِصْحَابهَا حُكْمًا بِمَعْنَى أَنْ لَا يَأْتِي بِمُنَافٍ
شَرْعًا شَرْطٌ . وَلَا بُدّ مِنْ مَحْذُوف يَتَعَلَّق بِهِ الْجَارّ
وَالْمَجْرُور , فَقِيلَ تُعْتَبَر وَقِيلَ تُكَمِّل وَقِيلَ تَصِحّ
وَقِيلَ تَحْصُل وَقِيلَ تَسْتَقِرّ . قَالَ الطِّيبِيُّ : كَلَام
الشَّارِع مَحْمُول عَلَى بَيَان الشَّرْع ; لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ
بِذَلِكَ هُمْ أَهْل اللِّسَان , فَكَأَنَّهُمْ خُوطِبُوا بِمَا لَيْسَ
لَهُمْ بِهِ عِلْم إِلَّا مِنْ قِبَل الشَّارِع , فَيَتَعَيَّن الْحَمْل
عَلَى مَا يُفِيد الْحُكْم الشَّرْعِيّ . وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ :
النِّيَّة عِبَارَة عَنْ اِنْبِعَاث الْقَلْب نَحْو مَا يَرَاهُ
مُوَافِقًا لِغَرَضٍ مِنْ جَلْب نَفْع أَوْ دَفْع ضُرّ حَالًا أَوْ مَآلًا
, وَالشَّرْع خَصَّصَهُ بِالْإِرَادَةِ الْمُتَوَجِّهَة نَحْو الْفِعْل
لِابْتِغَاءِ رِضَاء اللَّه وَامْتِثَال حُكْمه . وَالنِّيَّة فِي
الْحَدِيث مَحْمُولَة عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيّ لِيَحْسُن تَطْبِيقه
عَلَى مَا بَعْده وَتَقْسِيمه أَحْوَال الْمُهَاجِر , فَإِنَّهُ تَفْصِيل
لِمَا أُجْمِلَ , وَالْحَدِيث مَتْرُوك الظَّاهِر لِأَنَّ الذَّوَات غَيْر
مُنْتَفِيَة , إِذْ التَّقْدِير : لَا عَمَل إِلَّا بِالنِّيَّةِ ,
فَلَيْسَ الْمُرَاد نَفْي ذَات الْعَمَل لِأَنَّهُ قَدْ يُوجَد بِغَيْرِ
نِيَّة , بَلْ الْمُرَاد نَفْي أَحْكَامهَا كَالصِّحَّةِ وَالْكَمَال ,
لَكِنَّ الْحَمْل عَلَى نَفْي الصِّحَّة أَوْلَى لِأَنَّهُ أَشْبَه
بِنَفْيِ الشَّيْء نَفْسه ; وَلِأَنَّ اللَّفْظ دَلَّ عَلَى نَفْي الذَّات
بِالتَّصْرِيحِ وَعَلَى نَفْي الصِّفَات بِالتَّبَعِ , فَلَمَّا مَنَعَ
الدَّلِيل نَفْي الذَّات بَقِيَتْ دَلَالَته عَلَى نَفْي الصِّفَات
مُسْتَمِرَّة . وَقَالَ شَيْخنَا شَيْخ الْإِسْلَام : الْأَحْسَن تَقْدِير
مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْأَعْمَال تَتْبَع النِّيَّة , لِقَوْلِهِ فِي
الْحَدِيث " فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَته " إِلَى آخِره . وَعَلَى هَذَا
يُقَدَّر الْمَحْذُوف كَوْنًا مُطْلَقًا مِنْ اِسْم فَاعِل أَوْ فِعْل .
ثُمَّ لَفْظ الْعَمَل يَتَنَاوَل فِعْل الْجَوَارِح حَتَّى اللِّسَان
فَتَدْخُل الْأَقْوَال . قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : وَأَخْرَجَ
بَعْضهمْ الْأَقْوَال وَهُوَ بَعِيد , وَلَا تَرَدُّد عِنْدِي فِي أَنَّ
الْحَدِيث يَتَنَاوَلهَا . وَأَمَّا التُّرُوكُ فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ
فِعْل كَفّ لَكِنْ لَا يُطْلَق عَلَيْهَا لَفْظ الْعَمَل . وَقَدْ
تُعُقِّبَ عَلَى مَنْ يُسَمِّي الْقَوْل عَمَلًا لِكَوْنِهِ عَمَل
اللِّسَان , بِأَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَعْمَل عَمَلًا فَقَالَ قَوْلًا لَا
يَحْنَث . وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَرْجِع الْيَمِين إِلَى الْعُرْف ,
وَالْقَوْل لَا يُسَمَّى عَمَلًا فِي الْعُرْف وَلِهَذَا يُعْطَف عَلَيْهِ
. وَالتَّحْقِيق أَنَّ الْقَوْل لَا يَدْخُل فِي الْعَمَل حَقِيقَة
وَيَدْخُل مَجَازًا , وَكَذَا الْفِعْل , لِقَوْلِهِ تَعَالَى ( وَلَوْ
شَاءَ رَبّك مَا فَعَلُوهُ ) بَعْد قَوْله : ( زُخْرُف الْقَوْل ) .
وَأَمَّا عَمَل الْقَلْب كَالنِّيَّةِ فَلَا يَتَنَاوَلهَا الْحَدِيث
لِئَلَّا يَلْزَم التَّسَلْسُل , وَالْمَعْرِفَة : وَفِي تَنَاوُلهَا
نَظَر , قَالَ بَعْضهمْ : هُوَ مُحَال لِأَنَّ النِّيَّة قَصْد
الْمَنَوِيّ , وَإِنَّمَا يَقْصِد الْمَرْء مَا يَعْرِف فَيَلْزَم أَنْ
يَكُون عَارِفًا قَبْل الْمَعْرِفَة . وَتَعَقَّبَهُ شَيْخنَا شَيْخ
الْإِسْلَام سِرَاج الدِّين الْبُلْقِينِيّ بِمَا حَاصِله : إِنْ كَانَ
الْمُرَاد بِالْمَعْرِفَةِ مُطْلَق الشُّعُور فَمُسَلَّم , وَإِنْ كَانَ
الْمُرَاد النَّظَر فِي الدَّلِيل فَلَا ; لِأَنَّ كُلّ ذِي عَقْل يَشْعُر
مَثَلًا بِأَنَّ لَهُ مَنْ يُدَبِّرهُ , فَإِذَا أَخَذَ فِي النَّظَر فِي
الدَّلِيل عَلَيْهِ لِيَتَحَقَّقهُ لَمْ تَكُنْ النِّيَّة حِينَئِذٍ
مُحَالًا . وَقَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : الَّذِينَ اِشْتَرَطُوا
النِّيَّة قَدَّرُوا صِحَّة الْأَعْمَال , وَاَلَّذِينَ لَمْ
يَشْتَرِطُوهَا قَدَّرُوا كَمَال الْأَعْمَال , وَرُجِّحَ الْأَوَّل
بِأَنَّ الصِّحَّة أَكْثَر لُزُومًا لِلْحَقِيقَةِ مِنْ الْكَمَال
فَالْحَمْل عَلَيْهَا أَوْلَى . وَفِي هَذَا الْكَلَام إِيهَام أَنَّ
بَعْض الْعُلَمَاء لَا يَرَى بِاشْتِرَاطِ النِّيَّة , وَلَيْسَ الْخِلَاف
بَيْنهمْ فِي ذَلِكَ إِلَّا فِي الْوَسَائِل , وَأَمَّا الْمَقَاصِد فَلَا
اِخْتِلَاف بَيْنهمْ فِي اِشْتِرَاط النِّيَّة لَهَا , وَمِنْ ثَمَّ
خَالَفَ الْحَنَفِيَّة فِي اِشْتِرَاطهَا لِلْوُضُوءِ , وَخَالَفَ
الْأَوْزَاعِيُّ فِي اِشْتِرَاطهَا فِي التَّيَمُّم أَيْضًا . نَعَمْ
بَيْن الْعُلَمَاء اِخْتِلَاف فِي اِقْتِرَان النِّيَّة بِأَوَّلِ
الْعَمَل كَمَا هُوَ مَعْرُوف فِي مَبْسُوطَات الْفِقْه . ‏
‏( تَكْمِيل ) : ‏
‏الظَّاهِر أَنَّ الْأَلِف وَاللَّام فِي النِّيَّات مُعَاقِبَة
لِلضَّمِيرِ , وَالتَّقْدِير الْأَعْمَال بِنِيَّاتِهَا , وَعَلَى هَذَا
فَيَدُلّ عَلَى اِعْتِبَار نِيَّة الْعَمَل مِنْ كَوْنه مَثَلًا صَلَاة
أَوْ غَيْرهَا , وَمِنْ كَوْنهَا فَرْضًا أَوْ نَفْلًا , ظُهْرًا مَثَلًا
أَوْ عَصْرًا , مَقْصُورَة أَوْ غَيْر مَقْصُورَة وَهَلْ يُحْتَاج فِي
مِثْل هَذَا إِلَى تَعْيِين الْعَدَد ؟ فِيهِ بَحْث . وَالرَّاجِح
الِاكْتِفَاء بِتَعْيِينِ الْعِبَادَة الَّتِي لَا تَنْفَكّ عَنْ الْعَدَد
الْمُعَيَّن , كَالْمُسَافِرِ مَثَلًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْصُر إِلَّا
بِنِيَّةِ الْقَصْر , لَكِنْ لَا يَحْتَاج إِلَى نِيَّة رَكْعَتَيْنِ
لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مُقْتَضَى الْقَصْر وَاَللَّه أَعْلَم . ‏

‏قَوْله : ( وَإِنَّمَا لِكُلِّ اِمْرِئٍ مَا نَوَى ) ‏
‏قَالَ الْقُرْطُبِيّ : فِيهِ تَحْقِيق لِاشْتِرَاطِ النِّيَّة
وَالْإِخْلَاص فِي الْأَعْمَال , فَجَنَحَ إِلَى أَنَّهَا مُؤَكَّدَة ,
وَقَالَ غَيْره : بَلْ تُفِيد غَيْر مَا أَفَادَتْهُ الْأُولَى ; لِأَنَّ
الْأُولَى نَبَّهَتْ عَلَى أَنَّ الْعَمَل يَتْبَع النِّيَّة
وَيُصَاحِبهَا , فَيَتَرَتَّب الْحُكْم عَلَى ذَلِكَ , وَالثَّانِيَة
أَفَادَتْ أَنَّ الْعَامِل لَا يَحْصُل لَهُ إِلَّا مَا نَوَاهُ وَقَالَ
اِبْن دَقِيق الْعِيد : الْجُمْلَة الثَّانِيَة تَقْتَضِي أَنَّ مَنْ
نَوَى شَيْئًا يَحْصُل لَهُ - يَعْنِي إِذَا عَمِلَهُ بِشَرَائِطِهِ -
أَوْ حَال دُون عَمَله لَهُ مَا يُعْذَر شَرْعًا بِعَدَمِ عَمَله وَكُلّ
مَا لَمْ يَنْوِهِ لَمْ يَحْصُل لَهُ . وَمُرَاده بِقَوْلِهِ " مَا لَمْ
يَنْوِهِ " أَيْ لَا خُصُوصًا وَلَا عُمُومًا , أَمَّا إِذَا لَمْ يَنْوِ
شَيْئًا مَخْصُوصًا لَكِنْ كَانَتْ هُنَاكَ نِيَّة عَامَّة تَشْمَلهُ
فَهَذَا مِمَّا اِخْتَلَفَتْ فِيهِ أَنْظَار الْعُلَمَاء . وَيَتَخَرَّج
عَلَيْهِ مِنْ الْمَسَائِل مَا لَا يُحْصَى . وَقَدْ يَحْصُل غَيْر
الْمَنَوِيّ لِمُدْرَكٍ آخَر كَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِد فَصَلَّى الْفَرْض
أَوْ الرَّاتِبَة قَبْل أَنْ يَقْعُد فَإِنَّهُ يَحْصُل لَهُ تَحِيَّة
الْمَسْجِد نَوَاهَا أَوْ لَمْ يَنْوِهَا ; لِأَنَّ الْقَصْد
بِالتَّحِيَّةِ شَغْل الْبُقْعَة وَقَدْ حَصَلَ , وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ
اِغْتَسَلَ يَوْم الْجُمُعَة عَنْ الْجَنَابَة فَإِنَّهُ لَا يَحْصُل لَهُ
غُسْل الْجُمُعَة عَلَى الرَّاجِح ; لِأَنَّ غُسْل الْجُمُعَة يُنْظَر
فِيهِ إِلَى التَّعَبُّد لَا إِلَى مَحْض التَّنْظِيم فَلَا بُدّ فِيهِ
مِنْ الْقَصْد إِلَيْهِ , بِخِلَافِ تَحِيَّة الْمَسْجِد وَاَللَّه
أَعْلَم . وَقَالَ النَّوَوِيّ : أَفَادَتْ الْجُمْلَة الثَّانِيَة
اِشْتِرَاط تَعْيِين الْمَنْوِيّ كَمَنْ عَلَيْهِ صَلَاة فَائِتَة لَا
يَكْفِيه أَنْ يَنْوِي الْفَائِتَة فَقَطْ حَتَّى يُعَيِّنهَا ظُهْرًا
مَثَلًا أَوْ عَصْرًا , وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلّه مَا إِذَا لَمْ
تَنْحَصِر الْفَائِتَة . وَقَالَ اِبْن السَّمْعَانِيّ فِي أَمَالِيهِ :
أَفَادَتْ أَنَّ الْأَعْمَال الْخَارِجَة عَنْ الْعِبَادَة لَا تُفِيد
الثَّوَاب إِلَّا إِذَا نَوَى بِهَا فَاعِلهَا الْقُرْبَةَ , كَالْأَكْلِ
إِذَا نَوَى بِهِ الْقُوَّة عَلَى الطَّاعَة . وَقَالَ غَيْره : أَفَادَتْ
أَنَّ النِّيَابَة لَا تَدْخُل فِي النِّيَّة , فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ
الْأَصْل , فَلَا يَرِدُ مِثْل نِيَّة الْوَلِيّ عَنْ الصَّبِيّ
وَنَظَائِره فَإِنَّهَا عَلَى خِلَاف الْأَصْل . وَقَالَ اِبْن عَبْد
السَّلَام : الْجُمْلَة الْأُولَى لِبَيَانِ مَا يُعْتَبَر مِنْ
الْأَعْمَال , وَالثَّانِيَة لِبَيَانِ مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا .
وَأَفَادَ أَنَّ النِّيَّة إِنَّمَا تُشْتَرَط فِي الْعِبَادَة الَّتِي
لَا تَتَمَيَّز بِنَفْسِهَا , وَأَمَّا مَا يَتَمَيَّز بِنَفْسِهِ
فَإِنَّهُ يَنْصَرِف بِصُورَتِهِ إِلَى مَا وُضِعَ لَهُ كَالْأَذْكَارِ
وَالْأَدْعِيَة وَالتِّلَاوَة لِأَنَّهَا لَا تَتَرَدَّد بَيْن
الْعِبَادَة وَالْعَادَة . وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ
بِالنَّظَرِ إِلَى أَصْل الْوَضْع , أَمَّا مَا حَدَثَ فِيهِ عُرْف
كَالتَّسْبِيحِ لِلتَّعَجُّبِ فَلَا , وَمَعَ ذَلِكَ فَلَوْ قَصَدَ
بِالذِّكْرِ الْقُرْبَة إِلَى اللَّه تَعَالَى لَكَانَ أَكْثَر ثَوَابًا ,
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْغَزَالِيّ : حَرَكَة اللِّسَان بِالذِّكْرِ مَعَ
الْغَفْلَة عَنْهُ تُحَصِّل الثَّوَاب ; لِأَنَّهُ خَيْر مِنْ حَرَكَة
اللِّسَان بِالْغِيبَةِ , بَلْ هُوَ خَيْر مِنْ السُّكُوت مُطْلَقًا ,
أَيْ الْمُجَرَّد عَنْ التَّفَكُّر . قَالَ : وَإِنَّمَا هُوَ نَاقِص
بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَمَل الْقَلْب اِنْتَهَى . وَيُؤَيِّدهُ قَوْله
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فِي بُضْع أَحَدكُمْ صَدَقَة " ثُمَّ
قَالَ فِي الْجَوَاب عَنْ قَوْلهمْ " أَيَأْتِي أَحَدنَا شَهْوَته
وَيُؤْجَر ؟ " : " أَرَأَيْت لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَام " . وَأُورِدَ
عَلَى إِطْلَاق الْغَزَالِيّ أَنَّهُ يَلْزَم مِنْهُ أَنَّ الْمَرْء
يُثَاب عَلَى فِعْل مُبَاح لِأَنَّهُ خَيْر مِنْ فِعْل الْحَرَام ,
وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَاده . وَخُصَّ مِنْ عُمُوم الْحَدِيث مَا يُقْصَد
حُصُوله فِي الْجُمْلَة فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاج إِلَى نِيَّة تَخُصّهُ
كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِد كَمَا تَقَدَّمَ , وَكَمَنَ مَاتَ زَوْجهَا فَلَمْ
يَبْلُغهَا الْخَبَر إِلَّا بَعْد مُدَّة الْعِدَّة فَإِنَّ عِدَّتهَا
تَنْقَضِي ; لِأَنَّ الْمَقْصُود حُصُول بَرَاءَة الرَّحِم وَقَدْ
وُجِدَتْ , وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَحْتَجْ الْمَتْرُوك إِلَى نِيَّة .
وَنَازَعَ الْكَرْمَانِيُّ فِي إِطْلَاق الشَّيْخ مُحْيِي الدِّين كَوْن
الْمَتْرُوك لَا يَحْتَاج إِلَى نِيَّة بِأَنَّ التَّرْك فِعْل وَهُوَ
كَفّ النَّفْس , وَبِأَنَّ التُّرُوك إِذَا أُرِيدَ بِهَا تَحْصِيل
الثَّوَاب بِامْتِثَالِ أَمْر الشَّارِع فَلَا بُدّ فِيهَا مِنْ قَصْد
التَّرْك , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ قَوْله " التَّرْك فِعْل " مُخْتَلَف
فِيهِ , وَمِنْ حَقّ الْمُسْتَدِلّ عَلَى الْمَانِع أَنْ يَأْتِي بِأَمْرٍ
مُتَّفَق عَلَيْهِ . وَأَمَّا اِسْتِدْلَاله الثَّانِي فَلَا يُطَابِق
الْمَوْرِد ; لِأَنَّ الْمَبْحُوث فِيهِ هَلْ تَلْزَم النِّيَّة فِي
التُّرُوك بِحَيْثُ يَقَع الْعِقَاب بِتَرْكِهَا ؟ وَاَلَّذِي أَوْرَدَهُ
هَلْ يَحْصُل الثَّوَاب بِدُونِهَا ؟ وَالتَّفَاوُت بَيْن الْمَقَامَيْنِ
ظَاهِر . وَالتَّحْقِيق أَنَّ التَّرْك الْمُجَرَّد لَا ثَوَاب فِيهِ ,
وَإِنَّمَا يَحْصُل الثَّوَاب بِالْكَفِّ الَّذِي هُوَ فِعْل النَّفْس ,
فَمَنْ لَمْ تَخْطِر الْمَعْصِيَة بِبَالِهِ أَصْلًا لَيْسَ كَمَنْ
خَطَرَتْ فَكَفَّ نَفْسه عَنْهَا خَوْفًا مِنْ اللَّه تَعَالَى , فَرَجَعَ
الْحَال إِلَى أَنَّ الَّذِي يَحْتَاج إِلَى النِّيَّة هُوَ الْعَمَل
بِجَمِيعِ وُجُوهه , لَا التَّرْك الْمُجَرَّد . وَاَللَّه أَعْلَم . ‏
‏( تَنْبِيه ) : ‏
‏قَالَ الْكَرْمَانِيُّ : إِذَا قُلْنَا إِنَّ تَقْدِيم الْخَبَر عَلَى
الْمُبْتَدَأ يُفِيد الْقَصْر فَفِي قَوْله " وَإِنَّمَا لِكُلِّ اِمْرِئٍ
مَا نَوَى " نَوْعَانِ مِنْ الْحَصْر : قَصْر الْمُسْنَد عَلَى الْمُسْنَد
إِلَيْهِ إِذْ الْمُرَاد إِنَّمَا لِكُلِّ اِمْرِئٍ مَا نَوَاهُ ,
وَالتَّقْدِيم الْمَذْكُور . ‏

‏قَوْله : ( فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَته إِلَى دُنْيَا ) ‏
‏كَذَا وَقَعَ فِي جَمِيع الْأُصُول الَّتِي اِتَّصَلَتْ لَنَا عَنْ
الْبُخَارِيّ بِحَذْفِ أَحَد وَجْهَيْ التَّقْسِيم وَهُوَ قَوْله " فَمَنْ
كَانَتْ هِجْرَته إِلَى اللَّه وَرَسُوله إِلَخْ " قَالَ الْخَطَّابِيُّ :
وَقَعَ هَذَا الْحَدِيث فِي رِوَايَتنَا وَجَمِيع نُسَخ أَصْحَابنَا
مَخْرُومًا قَدْ ذَهَبَ شَطْره , وَلَسْت أَدْرِي كَيْفَ وَقَعَ هَذَا
الْإِغْفَال , وَمِنْ جِهَة مَنْ عَرَضَ مِنْ رُوَاته ؟ فَقَدْ ذَكَرَهُ
الْبُخَارِيّ مِنْ غَيْر طَرِيق الْحُمَيْدِيّ مُسْتَوْفًى , وَقَدْ
رَوَاهُ لَنَا الْأَثْبَاتُ مِنْ طَرِيق الْحُمَيْدِيّ تَامًّا , وَنَقَلَ
اِبْن التِّين كَلَام الْخَطَّابِيّ مُخْتَصَرًا وَفُهِمَ مِنْ قَوْله
مَخْرُومًا أَنَّهُ قَدْ يُرِيد أَنَّ فِي السَّنَد اِنْقِطَاعًا فَقَالَ
مِنْ قِبَل نَفْسه لِأَنَّ الْبُخَارِيّ لَمْ يَلْقَ الْحُمَيْدِيّ ,
وَهُوَ مِمَّا يُتَعَجَّب مِنْ إِطْلَاقه مَعَ قَوْل الْبُخَارِيّ "
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيّ " وَتَكْرَار ذَلِكَ مِنْهُ فِي هَذَا الْكِتَاب
, وَجَزَمَ كُلّ مَنْ تَرْجَمَهُ بِأَنَّ الْحُمَيْدِيّ مِنْ شُيُوخه فِي
الْفِقْه وَالْحَدِيث , وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ فِي مَشْيَخَته : لَا
عُذْر لِلْبُخَارِيِّ فِي إِسْقَاطه لِأَنَّ الْحُمَيْدِيّ شَيْخه فِيهِ
قَدْ رَوَاهُ فِي مُسْنَده عَلَى التَّمَام . قَالَ : وَذَكَرَ قَوْم
أَنَّهُ لَعَلَّهُ اِسْتَمْلَاهُ مِنْ حِفْظ الْحُمَيْدِيّ فَحَدَّثَهُ
هَكَذَا فَحَدَّثَ عَنْهُ كَمَا سَمِعَ أَوْ حَدَّثَهُ بِهِ تَامًّا
فَسَقَطَ مِنْ حِفْظ الْبُخَارِيّ . قَالَ : وَهُوَ أَمْر مُسْتَبْعَد
جِدًّا عِنْد مَنْ اِطَّلَعَ عَلَى أَحْوَال الْقَوْم . وَقَالَ
الدَّاوُدِيّ الشَّارِح : الْإِسْقَاط فِيهِ مِنْ الْبُخَارِيّ فَوُجُوده
فِي رِوَايَة شَيْخه وَشَيْخ شَيْخه يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ اِنْتَهَى .
وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيق بِشْر بْن مُوسَى وَأَبِي إِسْمَاعِيل
التِّرْمِذِيّ وَغَيْر وَاحِد عَنْ الْحُمَيْدِيّ تَامًّا , وَهُوَ فِي
مُصَنَّف قَاسِم بْن أَصْبَغ وَمُسْتَخْرَجَيْ أَبِي نُعَيْم وَصَحِيح
أَبِي عَوَانَة مِنْ طَرِيق الْحُمَيْدِيّ , فَإِنْ كَانَ الْإِسْقَاط
مِنْ غَيْر الْبُخَارِيّ فَقَدْ يُقَال : لِمَ اِخْتَارَ الِابْتِدَاء
بِهَذَا السِّيَاق النَّاقِص ؟ وَالْجَوَاب قَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَة
إِلَيْهِ , وَأَنَّهُ اِخْتَارَ الْحُمَيْدِيّ لِكَوْنِهِ أَجَلّ
مَشَايِخه الْمَكِّيِّينَ إِلَى آخِر مَا تَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ مِنْ
الْمُنَاسَبَة , وَإِنْ كَانَ الْإِسْقَاط مِنْهُ فَالْجَوَاب مَا قَالَهُ
أَبُو مُحَمَّد عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن سَعِيد الْحَافِظ فِي أَجْوِبَة
لَهُ عَلَى الْبُخَارِيّ : إِنَّ أَحْسَن مَا يُجَاب بِهِ هُنَا أَنْ
يُقَال : لَعَلَّ الْبُخَارِيّ قَصَدَ أَنْ يَجْعَل لِكِتَابِهِ صَدْرًا
يَسْتَفْتِح بِهِ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ كَثِير مِنْ النَّاس مِنْ
اِسْتِفْتَاح كُتُبهمْ بِالْخُطَبِ الْمُتَضَمِّنَة لِمَعَانِي مَا
ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ التَّأْلِيف , فَكَأَنَّهُ اِبْتَدَأَ كِتَابه
بِنِيَّةٍ رَدَّ عِلْمهَا إِلَى اللَّه , فَإِنْ عَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ
أَرَادَ الدُّنْيَا أَوْ عَرَضَ إِلَى شَيْء مِنْ مَعَانِيهَا
فَسَيَجْزِيهِ بِنِيَّتِهِ . وَنَكَبَ عَنْ أَحَدِ وَجْهَيْ التَّقْسِيم
مُجَانَبَة لِلتَّزْكِيَةِ الَّتِي لَا يُنَاسِب ذِكْرهَا فِي ذَلِكَ
الْمَقَام . اِنْتَهَى مُلَخَّصًا . وَحَاصِله أَنَّ الْجُمْلَة
الْمَحْذُوفَة تُشْعِر بِالْقُرْبَةِ الْمَحْضَة , وَالْجُمْلَة
الْمُبْقَاة تَحْتَمِل التَّرَدُّد بَيْن أَنْ يَكُون مَا قَصَدَهُ
يُحَصِّل الْقُرْبَة أَوْ لَا , فَلَمَّا كَانَ الْمُصَنِّف كَالْمُخْبِرِ
عَنْ حَال نَفْسه فِي تَصْنِيفه هَذَا بِعِبَارَةِ هَذَا الْحَدِيث حَذَفَ
الْجُمْلَة الْمُشْعِرَة بِالْقُرْبَةِ الْمَحْضَة فِرَارًا مِنْ
التَّزْكِيَة , وَبَقِيت الْجُمْلَة الْمُتَرَدِّدَة الْمُحْتَمِلَة
تَفْوِيضًا لِلْأَمْرِ إِلَى رَبّه الْمُطَّلِع عَلَى سَرِيرَته
الْمُجَازِي لَهُ بِمُقْتَضَى نِيَّته . وَلَمَّا كَانَتْ عَادَة
الْمُصَنِّفِينَ أَنْ يُضَمِّنُوا الْخُطَب اِصْطِلَاحهمْ فِي مَذَاهِبهمْ
وَاخْتِيَارَاتهمْ , وَكَانَ مِنْ رَأْي الْمُصَنِّف جَوَاز اِخْتِصَار
الْحَدِيث وَالرِّوَايَة بِالْمَعْنَى وَالتَّدْقِيق فِي الِاسْتِنْبَاط
وَإِيثَار الْأَغْمَض عَلَى الْأَجْلَى وَتَرْجِيح الْإِسْنَاد الْوَارِد
بِالصِّيَغِ الْمُصَرِّحَة بِالسَّمَاعِ عَلَى غَيْره , اِسْتَعْمَلَ
جَمِيع ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِع بِعِبَارَةِ هَذَا الْحَدِيث مَتْنًا
وَإِسْنَادًا . وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة حَمَّاد بْن زَيْد فِي بَاب
الْهِجْرَة تَأَخُّر قَوْله " فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَته إِلَى اللَّه
وَرَسُوله " عَنْ قَوْله " فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَته إِلَى دُنْيَا
يُصِيبهَا " , فَيُحْتَمَل أَنْ تَكُون رِوَايَة الْحُمَيْدِيّ وَقَعَتْ
عِنْد الْبُخَارِيّ كَذَلِكَ فَتَكُون الْجُمْلَة الْمَحْذُوفَة هِيَ
الْأَخِيرَة كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَة مَنْ يَقْتَصِر عَلَى بَعْض
الْحَدِيث . وَعَلَى تَقْدِير أَنْ لَا يَكُون ذَلِكَ فَهُوَ مَصِير مِنْ
الْبُخَارِيّ إِلَى جَوَاز الِاخْتِصَار فِي الْحَدِيث وَلَوْ مِنْ
أَثْنَائِهِ . وَهَذَا هُوَ الرَّاجِح , وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ
الْكَرْمَانِيُّ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع : إِنْ كَانَ الْحَدِيث عِنْد
الْبُخَارِيّ تَامًّا لِمَ خَرَمَهُ فِي صَدْر الْكِتَاب , مَعَ أَنَّ
الْخَرْم مُخْتَلَف فِي جَوَازه ؟ قُلْت : لَا جَزْم بِالْخَرْمِ ;
لِأَنَّ الْمَقَامَات مُخْتَلِفَة , فَلَعَلَّهُ - فِي مَقَام بَيَان
أَنَّ الْإِيمَان بِالنِّيَّةِ وَاعْتِقَاد الْقَلْب - سَمِعَ الْحَدِيث
تَامًّا , وَفِي مَقَام أَنَّ الشُّرُوع فِي الْأَعْمَال إِنَّ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
????
زائر




الحديث عن الوحي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحديث عن الوحي   الحديث عن الوحي Icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 28, 2009 8:58 pm

الحديث عن الوحى ((الجزء الثانى))

الحديث: ((‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ‏ ‏قَالَ
أَخْبَرَنَا ‏ ‏مَالِكٌ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ‏ ‏عَنْ ‏
‏أَبِيهِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا ‏
‏أَنَّ ‏ ‏الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏ ‏سَأَلَ
رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَقَالَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏
‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ ‏
‏صَلْصَلَةِ ‏ ‏الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ ‏ ‏فَيُفْصَمُ ‏
‏عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِي ‏
‏الْمَلَكُ ‏ ‏رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ قَالَتْ ‏
‏عَائِشَةُ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ‏ ‏وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ
عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ ‏ ‏فَيَفْصِمُ ‏
‏عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ ‏ ‏لَيَتَفَصَّدُ ‏ ‏عَرَقًا ‏))



‏قَوْله : ( حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن يُوسُف ) ‏
‏هُوَ التِّنِّيسِيُّ , كَانَ نَزَلَ تِنِّيس مِنْ عَمَل مِصْر , وَأَصْله
دِمَشْقِيّ , وَهُوَ مِنْ أَتْقَن النَّاس فِي الْمُوَطَّأ , كَذَا
وَصَفَهُ يَحْيَى بْن مَعِين . ‏

‏قَوْله : ( أُمّ الْمُؤْمِنِينَ ) ‏
‏هُوَ مَأْخُوذ مِنْ قَوْله تَعَالَى ( وَأَزْوَاجه أُمَّهَاتهمْ ) أَيْ :
فِي الِاحْتِرَام وَتَحْرِيم نِكَاحهنَّ لَا فِي غَيْر ذَلِكَ مِمَّا
اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى الرَّاجِح , وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْوَاحِدَةِ
مِنْهُنَّ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ لِلتَّغْلِيبِ , وَإِلَّا فَلَا مَانِع
مِنْ أَنْ يُقَال لَهَا أُمّ الْمُؤْمِنَات عَلَى الرَّاجِح . ‏

‏قَوْله : ( أَنَّ الْحَارِث بْن هِشَام ) ‏
‏هُوَ الْمَخْزُومِيّ , أَخُو أَبِي جَهْل شَقِيقه , أَسْلَمَ يَوْم
الْفَتْح , وَكَانَ مِنْ فُضَلَاء الصَّحَابَة , وَاسْتُشْهِدَ فِي فُتُوح
الشَّام . ‏

‏قَوْله ( سَأَلَ ) ‏
‏هَكَذَا رَوَاهُ أَكْثَر الرُّوَاة عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة ,
فَيُحْتَمَل أَنْ تَكُون عَائِشَة حَضَرَتْ ذَلِكَ , وَعَلَى هَذَا
اِعْتَمَدَ أَصْحَاب الْأَطْرَاف فَأَخْرَجُوهُ فِي مُسْنَد عَائِشَة .
وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْحَارِث أَخْبَرَهَا بِذَلِكَ بَعْد فَيَكُون
مِنْ مُرْسَل الصَّحَابَة , وَهُوَ مَحْكُوم بِوَصْلِهِ عِنْد الْجُمْهُور
. وَقَدْ جَاءَ مَا يُؤَيِّد الثَّانِي , فَفِي مُسْنَد أَحْمَد وَمُعْجَم
الْبَغَوِيِّ وَغَيْرهمَا مِنْ طَرِيق عَامِر بْن صَالِح الزُّبَيْرِيّ
عَنْ هِشَام عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة عَنْ الْحَارِث بْنِ هِشَام قَالَ
: سَأَلْت . وَعَامِر فِيهِ ضَعْف , لَكِنْ وَجَدْت لَهُ مُتَابِعًا عِنْد
اِبْن مَنْدَهْ , وَالْمَشْهُور الْأَوَّل . ‏

‏قَوْله : ( كَيْفَ يَأْتِيك الْوَحْي ) ‏
‏يُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْمَسْئُول عَنْهُ صِفَة الْوَحْي نَفْسه ,
وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون صِفَة حَامِله أَوْ مَا هُوَ أَعَمّ مِنْ ذَلِكَ
, وَعَلَى كُلّ تَقْدِير فَإِسْنَاد الْإِتْيَان إِلَى الْوَحْي مَجَاز ;
لِأَنَّ الْإِتْيَان حَقِيقَة مِنْ وَصْف حَامِله . وَاعْتَرَضَ
الْإِسْمَاعِيلِيّ فَقَالَ : هَذَا الْحَدِيث لَا يَصْلُح لِهَذِهِ
التَّرْجَمَة , وَإِنَّمَا الْمُنَاسِب لِكَيْفِيَّةِ بَدْء الْوَحْي
الْحَدِيث الَّذِي بَعْده , وَأَمَّا هَذَا فَهُوَ لِكَيْفِيَّةِ إِتْيَان
الْوَحْي لَا لِبَدْءِ الْوَحْي ا ه . قَالَ الْكَرْمَانِيُّ : لَعَلَّ
الْمُرَاد مِنْهُ السُّؤَال عَنْ كَيْفِيَّة اِبْتِدَاء الْوَحْي , أَوْ
عَنْ كَيْفِيَّة ظُهُور الْوَحْي , فَيُوَافِق تَرْجَمَة الْبَاب . قُلْت
: سِيَاقه يُشْعِر بِخِلَافِ ذَلِكَ لِإِتْيَانِهِ بِصِيغَةِ
الْمُسْتَقْبَل دُون الْمَاضِي , لَكِنْ يُمْكِن أَنْ يُقَال : إِنَّ
الْمُنَاسَبَة تَظْهَر مِنْ الْجَوَاب ; لِأَنَّ فِيهِ إِشَارَة إِلَى
اِنْحِصَار صِفَة الْوَحْي أَوْ صِفَة حَامِله فِي الْأَمْرَيْنِ
فَيَشْمَل حَالَة الِابْتِدَاء , وَأَيْضًا فَلَا أَثَر لِلتَّقْدِيمِ
وَالتَّأْخِير هُنَا وَلَوْ لَمْ تَظْهَر الْمُنَاسَبَة , فَضْلًا عَنْ
أَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّهُ أَرَادَ الْبُدَاءَة بِالتَّحْدِيثِ عَنْ
إِمَامَيْ الْحِجَاز فَبَدَأَ بِمَكَّة ثُمَّ ثَنَّى بِالْمَدِينَةِ .
وَأَيْضًا فَلَا يَلْزَم أَنْ تَتَعَلَّقَ جَمِيع أَحَادِيث الْبَاب
بِبَدْءِ الْوَحْي , بَلْ يَكْفِي أَنْ يَتَعَلَّقَ بِذَلِكَ وَبِمَا
يَتَعَلَّقَ بِهِ وَبِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْآيَةِ أَيْضًا , وَذَلِكَ
أَنَّ أَحَادِيث الْبَاب تَتَعَلَّق بِلَفْظِ التَّرْجَمَة وَبِمَا
اِشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ , وَلَمَّا كَانَ فِي الْآيَة أَنَّ الْوَحْي
إِلَيْهِ نَظِير الْوَحْي إِلَى الْأَنْبِيَاء قَبْله نَاسَبَ تَقْدِيم
مَا يَتَعَلَّق بِهَا وَهُوَ صِفَة الْوَحْي وَصِفَة حَامِله إِشَارَة
إِلَى أَنَّ الْوَحْي إِلَى الْأَنْبِيَاء لَا تَبَايُن فِيهِ , فَحَسُنَ
إِيرَاد هَذَا الْحَدِيث عَقِبَ حَدِيث الْأَعْمَال الَّذِي تَقَدَّمَ
التَّقْدِير بِأَنَّ تَعَلُّقه بِالْآيَةِ الْكَرِيمَة أَقْوَى تَعَلُّق ,
وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَم . ‏

‏قَوْله : ( أَحْيَانًا ) ‏
‏جَمْع حِين يُطْلَق عَلَى كَثِير الْوَقْت وَقَلِيله , وَالْمُرَاد بِهِ
هُنَا مُجَرَّد الْوَقْت , فَكَأَنَّهُ قَالَ : أَوْقَاتًا يَأْتِينِي ,
وَانْتَصَبَ عَلَى الظَّرْفِيَّة وَعَامِله " يَأْتِينِي " مُؤَخَّر
عَنْهُ , وَلِلْمُصَنِّفِ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ هِشَام فِي بَدْء الْخَلْق
قَالَ : كُلّ ذَلِكَ يَأْتِي الْمَلَك , أَيْ : كُلّ ذَلِكَ حَالَتَانِ
فَذَكَرَهُمَا . وَرَوَى اِبْن سَعْد مِنْ طَرِيق أَبِي سَلَمَة
الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول " كَانَ الْوَحْي يَأْتِينِي عَلَى نَحْوَيْنِ :
يَأْتِينِي بِهِ جِبْرِيل فَيُلْقِيه عَلَيَّ كَمَا يُلْقِي الرَّجُل
عَلَى الرَّجُل , فَذَاكَ يَنْفَلِت مِنِّي . وَيَأْتِينِي فِي بَيْتِي
مِثْل صَوْت الْجَرَس حَتَّى يُخَالِط قَلْبِي , فَذَاكَ الَّذِي لَا
يَنْفَلِت مِنِّي " وَهَذَا مُرْسَل مَعَ ثِقَة رِجَاله , فَإِنْ صَحَّ
فَهُوَ مَحْمُول عَلَى مَا كَانَ قَبْل نُزُول قَوْله تَعَالَى ( لَا
تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانك ) كَمَا سَيَأْتِي , فَإِنَّ الْمَلَك قَدْ
تَمَثَّلَ رَجُلًا فِي صُوَر كَثِيرَة وَلَمْ يَنْفَلِت مِنْهُ مَا
أَتَاهُ بِهِ كَمَا فِي قِصَّة مَجِيئِهِ فِي صُورَة دِحْيَة وَفِي صُورَة
أَعْرَابِيّ وَغَيْر ذَلِكَ وَكُلّهَا فِي الصَّحِيح . وَأُورِدَ عَلَى
مَا اِقْتَضَاهُ الْحَدِيث - وَهُوَ أَنَّ الْوَحْي مُنْحَصِر فِي
الْحَالَتَيْنِ - حَالَات أُخْرَى : إِمَّا مِنْ صِفَة الْوَحْي
كَمَجِيئِهِ كَدَوِيِّ النَّحْل , وَالنَّفْث فِي الرَّوْع ,
وَالْإِلْهَام , وَالرُّؤْيَا الصَّالِحَة , وَالتَّكْلِيم لَيْلَة
الْإِسْرَاء بِلَا وَاسِطَة . وَإِمَّا مِنْ صِفَة حَامِل الْوَحْي
كَمَجِيئِهِ فِي صُورَته الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا لَهُ سِتّمِائَةِ
جَنَاح , وَرُؤْيَته عَلَى كُرْسِيّ بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض وَقَدْ
سَدَّ الْأُفُق . وَالْجَوَاب مَنْع الْحَصْر فِي الْحَالَتَيْنِ
الْمُقَدَّم ذِكْرهمَا وَحَمْلهمَا عَلَى الْغَالِب , أَوْ حَمْل مَا
يُغَايِرهُمَا عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ بَعْد السُّؤَال , أَوْ لَمْ
يَتَعَرَّض لِصِفَتَيْ الْمَلَك الْمَذْكُورَتَيْنِ لِنُدُورِهِمَا ,
فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَائِشَة أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ كَذَلِكَ إِلَّا
مَرَّتَيْنِ أَوْ لَمْ يَأْتِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَة بِوَحْيٍ أَوْ
أَتَاهُ بِهِ فَكَانَ عَلَى مِثْل صَلْصَلَة الْجَرَس , فَإِنَّهُ بَيَّنَ
بِهَا صِفَة الْوَحْي لَا صِفَة حَامِله . وَأَمَّا فُنُون الْوَحْي
فَدَوِيّ النَّحْل لَا يُعَارِض صَلْصَلَة الْجَرَس ; لِأَنَّ سَمَاع
الدَّوِيّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَاضِرِينَ - كَمَا فِي حَدِيث عُمَر -
يُسْمَع عِنْده كَدَوِيِّ النَّحْل وَالصَّلْصَلَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى
النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَشَبَّهَهُ عُمَر بَدْوِيّ
النَّحْل بِالنِّسْبَةِ إِلَى السَّامِعِينَ , وَشَبَّهَهُ هُوَ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَلْصَلَةِ الْجَرَس بِالنِّسْبَةِ إِلَى
مَقَامه . وَأَمَّا النَّفْث فِي الرَّوْع فَيُحْتَمَل أَنْ يَرْجِع إِلَى
إِحْدَى الْحَالَتَيْنِ , فَإِذَا أَتَاهُ الْمَلَك فِي مِثْل صَلْصَلَة
الْجَرَس نَفَثَ حِينَئِذٍ فِي رَوْعه . وَأَمَّا الْإِلْهَام فَلَمْ
يَقَع السُّؤَال عَنْهُ ; لِأَنَّ السُّؤَال وَقَعَ عَنْ صِفَة الْوَحْي
الَّذِي يَأْتِي بِحَامِلٍ , وَكَذَا التَّكْلِيم لَيْلَة الْإِسْرَاء .
وَأَمَّا الرُّؤْيَة الصَّالِحَة فَقَالَ اِبْن بَطَّال : لَا تَرِدُ ;
لِأَنَّ السُّؤَال وَقَعَ عَمَّا يَنْفَرِد بِهِ عَنْ النَّاس ; لِأَنَّ
الرُّؤْيَا قَدْ يُشْرِكهُ فِيهَا غَيْره ا ه . وَالرُّؤْيَا الصَّادِقَة
وَإِنْ كَانَتْ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة فَهِيَ بِاعْتِبَارِ صِدْقهَا
لَا غَيْر , وَإِلَّا لَسَاغَ لِصَاحِبِهَا أَنْ يُسَمَّى نَبِيًّا
وَلَيْسَ كَذَلِكَ , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون السُّؤَال وَقَعَ عَمَّا فِي
الْيَقَظَة , أَوْ لِكَوْنِ حَال الْمَنَام لَا يَخْفَى عَلَى السَّائِل
فَاقْتَصَرَ عَلَى مَا يَخْفَى عَلَيْهِ , أَوْ كَانَ ظُهُور ذَلِكَ لَهُ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَام أَيْضًا عَلَى
الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لَا غَيْر , قَالَهُ الْكَرْمَانِيُّ :
وَفِيهِ نَظَر . وَقَدْ ذَكَرَ الْحَلِيمِيّ أَنَّ الْوَحْي كَانَ
يَأْتِيه عَلَى سِتَّة وَأَرْبَعِينَ نَوْعًا - فَذَكَرَهَا - وَغَالِبهَا
مِنْ صِفَات حَامِل الْوَحْي , وَمَجْمُوعهَا يَدْخُل فِيمَا ذُكِرَ ,
وَحَدِيث " إِنَّ رُوح الْقُدُس نَفَثَ فِي رُوعِي , أَخْرَجَهُ اِبْن
أَبِي الدُّنْيَا فِي الْقَنَاعَة , وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم مِنْ طَرِيق
اِبْن مَسْعُود . ‏

‏قَوْله : ( مِثْل صَلْصَلَة الْجَرَس ) ‏
‏فِي رِوَايَة مُسْلِم " فِي مِثْل صَلْصَلَة الْجَرَس " وَالصَّلْصَلَة
بِمُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنهمَا لَام سَاكِنَة : فِي الْأَصْل
صَوْت وُقُوع الْحَدِيد بَعْضه عَلَى بَعْض , ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى كُلّ
صَوْت لَهُ طَنِين , وَقِيلَ : هُوَ صَوْت مُتَدَارَك لَا يُدْرَك فِي
أَوَّل وَهْلَة , وَالْجَرَس الْجُلْجُل الَّذِي يُعَلَّق فِي رُءُوس
الدَّوَابّ , وَاشْتِقَاقه مِنْ الْجَرْس بِإِسْكَانِ الرَّاء وَهُوَ
الْحِسّ , وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ : الْجَرَس نَاقُوس صَغِير أَوْ سَطْل
فِي دَاخِله قِطْعَة نُحَاس يُعَلَّق مَنْكُوسًا عَلَى الْبَعِير ,
فَإِذَا تَحَرَّكَ تَحَرَّكَتْ النُّحَاسَة فَأَصَابَتْ السَّطْل
فَحَصَلَتْ الصَّلْصَلَة ا ه . وَهُوَ تَطْوِيل لِلتَّعْرِيفِ بِمَا لَا
طَائِل تَحْته . وَقَوْله قِطْعَة نُحَاس مُعْتَرِض لَا يَخْتَصّ بِهِ
وَكَذَا الْبَعِير وَكَذَا قَوْله مَنْكُوسًا ; لِأَنَّ تَعْلِيقه عَلَى
تِلْكَ الصُّورَة هُوَ وَضْعه الْمُسْتَقِيم لَهُ . فَإِنْ قِيلَ :
الْمَحْمُود لَا يُشَبَّه بِالْمَذْمُومِ , إِذْ حَقِيقَة التَّشْبِيه
إِلْحَاق نَاقِص بِكَامِلٍ , وَالْمُشَبَّه الْوَحْي وَهُوَ مَحْمُود ,
وَالْمُشَبَّه بِهِ صَوْت الْجَرَس وَهُوَ مَذْمُوم لِصِحَّةِ النَّهْي
عَنْهُ وَالتَّنْفِير مِنْ مُرَافَقَة مَا هُوَ مُعَلَّق فِيهِ
وَالْإِعْلَام بِأَنَّهُ لَا تَصْحَبهُمْ الْمَلَائِكَة كَمَا أَخْرَجَهُ
مُسْلِم وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرهمَا , فَكَيْفَ يُشَبَّه مَا فَعَلَهُ
الْمَلَك بِأَمْر تَنْفِر مِنْهُ الْمَلَائِكَة ؟ وَالْجَوَاب أَنَّهُ لَا
يَلْزَم فِي التَّشْبِيه تَسَاوِي الْمُشَبَّه بِالْمُشَبَّهِ بِهِ فِي
الصِّفَات كُلّهَا , بَلْ وَلَا فِي أَخَصّ وَصْف لَهُ , بَلْ يَكْفِي
اِشْتِرَاكهمَا فِي صِفَة مَا , فَالْمَقْصُود هُنَا بَيَان الْجِنْس ,
فَذَكَرَ مَا أَلِفَ السَّامِعُونَ سَمَاعه تَقْرِيبًا لِأَفْهَامِهِمْ .
وَالْحَاصِل أَنَّ الصَّوْت لَهُ جِهَتَانِ : جِهَة قُوَّة وَجِهَة طَنِين
, فَمِنْ حَيْثُ الْقُوَّة وَقَعَ التَّشْبِيه بِهِ , وَمِنْ حَيْثُ
الطَّرَب وَقَعَ التَّنْفِير عَنْهُ وَعُلِّلَ بِكَوْنِهِ مِزْمَار
الشَّيْطَان , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون النَّهْي عَنْهُ وَقَعَ بَعْد
السُّؤَال الْمَذْكُور وَفِيهِ نَظَر . قِيلَ : وَالصَّلْصَلَة
الْمَذْكُورَة صَوْت الْمَلَك بِالْوَحْيِ , قَالَ الْخَطَّابِيُّ :
يُرِيد أَنَّهُ صَوْت مُتَدَارَك يَسْمَعهُ وَلَا يَتَبَيَّنهُ أَوَّل مَا
يَسْمَعهُ حَتَّى يَفْهَمهُ بَعْد , وَقِيلَ : بَلْ هُوَ صَوْت حَفِيف
أَجْنِحَة الْمَلَك 0 وَالْحِكْمَة فِي تَقَدُّمه أَنْ يَقْرَع سَمْعه
الْوَحْي فَلَا يَبْقَى فِيهِ مَكَان لِغَيْرِهِ , وَلَمَّا كَانَ
الْجَرَس لَا تَحْصُل صَلْصَلَته إِلَّا مُتَدَارِكَة وَقَعَ التَّشْبِيه
بِهِ دُون غَيْره مِنْ الْآلَات , وَسَيَأْتِي كَلَام اِبْن بَطَّال فِي
هَذَا الْمَقَام فِي الْكَلَام عَلَى حَدِيث اِبْن عَبَّاس " إِذَا قَضَى
اللَّه الْأَمْر فِي السَّمَاء ضَرَبَتْ الْمَلَائِكَة بِأَجْنِحَتِهَا "
الْحَدِيث عِنْد تَفْسِير قَوْله : ( حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبهمْ
) فِي تَفْسِير سُورَة سَبَأ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . ‏

‏قَوْله : ( وَهُوَ أَشَدّه عَلَيَّ ) ‏
‏يُفْهَم مِنْهُ أَنَّ الْوَحْي كُلّه شَدِيد , وَلَكِنَّ هَذِهِ الصِّفَة
أَشَدّهَا , وَهُوَ وَاضِح ; لِأَنَّ الْفَهْم مِنْ كَلَام مِثْل
الصَّلْصَلَة أَشْكَل مِنْ الْفَهْم مِنْ كَلَام الرَّجُل بِالتَّخَاطُبِ
الْمَعْهُود , وَالْحِكْمَة فِيهِ أَنَّ الْعَادَة جَرَتْ
بِالْمُنَاسَبَةِ بَيْن الْقَائِل وَالسَّامِع , وَهِيَ هُنَا إِمَّا
بِاتِّصَافِ السَّامِع بِوَصْفِ الْقَائِل بِغَلَبَةِ الرُّوحَانِيَّة
وَهُوَ النَّوْع الْأَوَّل , وَإِمَّا بِاتِّصَافِ الْقَائِل بِوَصْفِ
السَّامِع وَهُوَ الْبَشَرِيَّة وَهُوَ النَّوْع الثَّانِي , وَالْأَوَّل
أَشَدّ بِلَا شَكّ . وَقَالَ شَيْخنَا شَيْخ الْإِسْلَام الْبُلْقِينِيّ :
سَبَب ذَلِكَ أَنَّ الْكَلَام الْعَظِيم لَهُ مُقَدِّمَات تُؤْذِن
بِتَعْظِيمِهِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيث اِبْن
عَبَّاس " كَانَ يُعَالِج مِنْ التَّنْزِيل شِدَّة " قَالَ وَقَالَ
بَعْضهمْ : وَإِنَّمَا كَانَ شَدِيدًا عَلَيْهِ لِيَسْتَجْمِع قَلْبه
فَيَكُون أَوْعَى لِمَا سَمِعَ ا ه . وَقِيلَ إِنَّهُ إِنَّمَا كَانَ
يَنْزِل هَكَذَا إِذَا نَزَلَتْ آيَة وَعِيد أَوْ تَهْدِيد , وَهَذَا
فِيهِ نَظَر , وَالظَّاهِر أَنَّهُ لَا يَخْتَصّ بِالْقُرْآنِ كَمَا
سَيَأْتِي بَيَانه فِي حَدِيث يَعْلَى بْن أُمَيَّة فِي قِصَّة لَابِس
الْجُبَّة الْمُتَضَمِّخ بِالطِّيبِ فِي الْحَجّ , فَإِنَّ فِيهِ أَنَّهُ
" رَآهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَال نُزُول الْوَحْي عَلَيْهِ
وَإِنَّهُ لَيَغِطّ " , وَفَائِدَة هَذِهِ الشِّدَّة مَا يَتَرَتَّب عَلَى
الْمَشَقَّة مِنْ زِيَادَة الزُّلْفَى , وَالدَّرَجَات . ‏

‏قَوْله : ( فَيَفْصِم ) ‏
‏فَتْح أَوَّله وَسُكُون الْفَاء وَكَسْر الْمُهْمَلَة أَيْ : يُقْلِع
وَيَتَجَلَّى مَا يَغْشَانِي , وَيُرْوَى بِضَمِّ أَوَّله مِنْ
الرُّبَاعِيّ , وَفِي رِوَايَة لِأَبِي ذَرّ بِضَمِّ أَوَّله وَفَتْح
الصَّاد عَلَى الْبِنَاء لِلْمَجْهُولِ , وَأَصْل الْفَصْم الْقَطْع ,
وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى ( لَا اِنْفِصَام لَهَا ) , وَقِيلَ الْفَصْم
بِالْفَاءِ الْقَطْع بِلَا إِبَانَة وَبِالْقَافِ الْقَطْع بِإِبَانَةٍ ,
فَذَكَرَ بِالْفَصْمِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ الْمَلَك فَارَقَهُ لِيَعُودَ
, وَالْجَامِع بَيْنهمَا بَقَاء الْعُلْقَة . ‏

‏قَوْله : ( وَقَدْ وَعَيْت عَنْهُ مَا قَالَ ) ‏
‏أَيْ : الْقَوْل الَّذِي جَاءَ بِهِ , وَفِيهِ إِسْنَاد الْوَحْي إِلَى
قَوْل الْمَلَك , وَلَا مُعَارَضَة بَيْنه وَبَيْن قَوْله تَعَالَى
حِكَايَة عَمَّنْ قَالَ مِنْ الْكُفَّار ( إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْل
الْبَشَر ) لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُنْكِرُونَ الْوَحْي , وَيُنْكِرُونَ
مَجِيء الْمَلَك بِهِ . ‏

‏قَوْله : ( يَتَمَثَّل لِيَ الْمَلَك رَجُلًا ) ‏
‏التَّمَثُّل مُشْتَقّ مِنْ الْمِثْل , أَيْ : يَتَصَوَّر . وَاللَّام فِي
الْمَلَك لِلْعَهْدِ وَهُوَ جِبْرِيل , وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيح بِهِ
فِي رِوَايَة اِبْن سَعْد الْمُقَدَّم ذِكْرهَا . وَفِيهِ دَلِيل عَلَى
أَنَّ الْمَلَك يَتَشَكَّل بِشَكْلِ الْبَشَر . ‏
‏قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ : الْمَلَائِكَة أَجْسَام عُلْوِيَّة لَطِيفَة
تَتَشَكَّل أَيّ شَكْل أَرَادُوا , وَزَعَمَ بَعْض الْفَلَاسِفَة أَنَّهَا
جَوَاهِر رُوحَانِيَّة , وَ " رَجُلًا " مَنْصُوب بِالْمَصْدَرِيَّةِ ,
أَيْ : يَتَمَثَّل مِثْل رَجُل , أَوْ بِالتَّمْيِيزِ , أَوْ بِالْحَالِ
وَالتَّقْدِير هَيْئَة رَجُل . قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ : تَمَثُّل
جِبْرِيل مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّه أَفْنَى الزَّائِد مِنْ خَلْقه أَوْ
أَزَالَهُ عَنْهُ , ثُمَّ يُعِيدهُ إِلَيْهِ بَعْد . وَجَزَمَ اِبْن عَبْد
السَّلَام بِالْإِزَالَةِ دُون الْفَنَاء , وَقَرَّرَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ
لَا يَلْزَم أَنْ يَكُون اِنْتِقَالهَا مُوجِبًا لِمَوْتِهِ , بَلْ يَجُوز
أَنْ يَبْقَى الْجَسَد حَيًّا ; لِأَنَّ مَوْت الْجَسَد بِمُفَارَقَةِ
الرُّوح لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَقْلًا بَلْ بِعَادَةٍ أَجْرَاهَا اللَّه
تَعَالَى فِي بَعْض خَلْقه . ‏
‏وَنَظِيره اِنْتِقَال أَرْوَاح الشُّهَدَاء إِلَى أَجْوَاف طُيُور خُضْر
تَسْرَح فِي الْجَنَّة . وَقَالَ شَيْخنَا شَيْخ الْإِسْلَام : مَا
ذَكَرَهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ لَا يَنْحَصِر الْحَال فِيهِ , بَلْ يَجُوز
أَنْ يَكُون الثَّانِي هُوَ جِبْرِيل بِشَكْلِهِ الْأَصْلِيّ , إِلَّا
أَنَّهُ اِنْضَمَّ فَصَارَ عَلَى قَدْر هَيْئَة الرَّجُل , وَإِذَا تَرَكَ
ذَلِكَ عَادَ إِلَى هَيْئَته , وَمِثَال ذَلِكَ الْقُطْن إِذَا جُمِعَ
بَعْد أَنْ كَانَ مُنْتَفِشًا فَإِنَّهُ بِالنَّفْشِ يَحْصُل لَهُ صُورَة
كَبِيرَة وَذَاته لَمْ تَتَغَيَّر . وَهَذَا عَلَى سَبِيل التَّقْرِيب ,
وَالْحَقّ أَنَّ تَمَثُّل الْمَلَك رَجُلًا لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ ذَاته
اِنْقَلَبَتْ رَجُلًا , بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ ظَهَرَ بِتِلْكَ الصُّورَة
تَأْنِيسًا لِمَنْ يُخَاطِبهُ . وَالظَّاهِر أَيْضًا أَنَّ الْقَدْر
الزَّائِد لَا يَزُول وَلَا يَفْنَى , بَلْ يَخْفَى عَلَى الرَّائِي
فَقَطْ . وَاَللَّه أَعْلَم . ‏

‏قَوْله : ( فَيُكَلِّمنِي ) ‏
‏كَذَا لِلْأَكْثَرِ , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ مِنْ طَرِيق
الْقَعْنَبِيّ عَنْ مَالِك " فَيُعَلِّمنِي " بِالْعَيْنِ بَدَل الْكَاف ,
وَالظَّاهِر أَنَّهُ تَصْحِيف , فَقَدْ وَقَعَ فِي الْمُوَطَّأ رِوَايَة
الْقَعْنَبِيّ بِالْكَافِ , وَكَذَا لِلدَّارَقُطْنِيّ فِي حَدِيث مَالِك
مِنْ طَرِيق الْقَعْنَبِيّ وَغَيْره . ‏

‏قَوْله : ( فَأَعِي مَا يَقُول ) ‏
‏زَادَ أَبُو عَوَانَة فِي صَحِيحه " وَهُوَ أَهْوَنه عَلَيَّ " . وَقَدْ
وَقَعَ التَّغَايُر فِي الْحَالَتَيْنِ حَيْثُ قَالَ فِي الْأُولَى "
وَقَدْ وَعَيْت " بِلَفْظِ الْمَاضِي , وَهُنَا " فَأَعِي " بِلَفْظِ
الِاسْتِقْبَال ; لِأَنَّ الْوَعْي حَصَلَ فِي الْأَوَّل قَبْل الْفَصْم ,
وَفِي الثَّانِي حَصَلَ حَال الْمُكَالَمَة , أَوْ أَنَّهُ كَانَ فِي
الْأَوَّل قَدْ تَلَبَّسَ بِالصِّفَاتِ الْمَلَكِيَّة فَإِذَا عَادَ إِلَى
حَالَته الْجِبِلِّيَّة كَانَ حَافِظًا لِمَا قِيلَ لَهُ فَعَبَّرَ عَنْهُ
بِالْمَاضِي , بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ عَلَى حَالَته الْمَعْهُودَة
. ‏

‏قَوْله : ( قَالَتْ عَائِشَة ) ‏
‏هُوَ بِالْإِسْنَادِ الَّذِي قَبْله , وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ حَرْف
الْعَطْف كَمَا يَسْتَعْمِل الْمُصَنِّف وَغَيْره كَثِيرًا , وَحَيْثُ
يُرِيد التَّعْلِيق يَأْتِي بِحَرْفِ الْعَطْف . وَقَدْ أَخْرَجَهُ
الدَّارَقُطْنِيّ فِي حَدِيث مَالِك مِنْ طَرِيق عَتِيق بْن يَعْقُوب عَنْ
مَالِك مَفْصُولًا عَنْ الْحَدِيث الْأَوَّل , وَكَذَا فَصَلَهُمَا
مُسْلِم مِنْ طَرِيق أَبِي أُسَامَة عَنْ هِشَام وَنُكْتَة هَذَا
الِاقْتِطَاع هُنَا اِخْتِلَاف التَّحَمُّل ; لِأَنَّهَا فِي الْأَوَّل
أَخْبَرَتْ عَنْ مَسْأَلَة الْحَارِث , وَفِي الثَّانِي أَخْبَرَتْ عَمَّا
شَاهَدَتْ تَأْيِيدًا لِلْخَبَرِ الْأَوَّل . ‏

‏قَوْله : ( لَيَتَفَصَّد ) ‏
‏بِالْفَاءِ وَتَشْدِيد الْمُهْمَلَة , مَأْخُوذ مِنْ الْفَصْد وَهُوَ
قَطْع الْعِرْق لِإِسَالَةِ الدَّم , شُبِّهَ جَبِينه بِالْعِرْقِ
الْمَفْصُود مُبَالَغَة فِي كَثْرَة الْعَرَق . وَفِي قَوْلهَا " فِي
الْيَوْم الشَّدِيد الْبَرْد " دِلَالَة عَلَى كَثْرَة مُعَانَاة التَّعَب
وَالْكَرْب عِنْد نُزُول الْوَحْي , لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَة
الْعَادَة , وَهُوَ كَثْرَة الْعَرَق فِي شِدَّة الْبَرْد , فَإِنَّهُ
يُشْعِر بِوُجُودِ أَمْر طَارِئ زَائِد عَلَى الطِّبَاع الْبَشَرِيَّة . ‏
‏وَقَوْله " عَرَقًا " ‏
‏بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيز , زَادَ اِبْن أَبِي الزِّنَاد عَنْ
هِشَام بِهَذَا الْإِسْنَاد عِنْد الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل " وَإِنْ
كَانَ لَيُوحَى إِلَيْهِ وَهُوَ عَلَى نَاقَته فَيَضْرِب حِزَامهَا مِنْ
ثِقَل مَا يُوحَى إِلَيْهِ " . ‏
‏( تَنْبِيه ) : ‏
‏حَكَى الْعَسْكَرِيّ فِي التَّصْحِيف عَنْ بَعْض شُيُوخه أَنَّهُ قَرَأَ
" لَيَتَقَصَّد " بِالْقَافِ , ثُمَّ قَالَ الْعَسْكَرِيّ : إِنْ ثَبَتَ
فَهُوَ مِنْ قَوْلهمْ تَقَصَّدَ الشَّيْء إِذَا تَكَسَّرَ وَتَقَطَّعَ ,
وَلَا يَخْفَى بُعْده اِنْتَهَى . وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذَا التَّصْحِيف
أَبُو الْفَضْل بْن طَاهِر , فَرَدَّهُ عَلَيْهِ الْمُؤْتَمِن السَّاجِيُّ
بِالْفَاءِ , قَالَ : فَأَصَرَّ عَلَى الْقَاف , وَذَكَرَ الذَّهَبِيّ فِي
تَرْجَمَة اِبْن طَاهِر عَنْ اِبْن نَاصِر أَنَّهُ رَدَّ عَلَى اِبْن
طَاهِر لَمَّا قَرَأَهَا بِالْقَافِ , قَالَ : فَكَابَرَنِي . قُلْت :
وَلَعَلَّ اِبْن طَاهِر وَجَّهَهَا بِمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْعَسْكَرِيّ
. وَاَللَّه أَعْلَم . وَفِي حَدِيث الْبَاب مِنْ الْفَوَائِد - غَيْر مَا
تَقَدَّمَ - أَنَّ السُّؤَال عَنْ الْكَيْفِيَّة لِطَلَبِ الطُّمَأْنِينَة
لَا يَقْدَح فِي الْيَقِين , وَجَوَاز السُّؤَال عَنْ أَحْوَال
الْأَنْبِيَاء مِنْ الْوَحْي وَغَيْره , وَأَنَّ الْمَسْئُول عَنْهُ إِذَا
كَانَ ذَا أَقْسَام يَذْكُر الْمُجِيب فِي أَوَّل جَوَابه مَا يَقْتَضِي
التَّفْصِيل . وَاَللَّه أَعْلَم . ‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
????
زائر




الحديث عن الوحي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحديث عن الوحي   الحديث عن الوحي Icon_minitimeالخميس أكتوبر 29, 2009 10:00 am

اشكرك ميرال علي الحديث الشريف
وعلي الشرك الكافي والوافي للحديث
جعله تعالي في ميزان حسناتك
ايهاب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
????
زائر




الحديث عن الوحي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحديث عن الوحي   الحديث عن الوحي Icon_minitimeالخميس أكتوبر 29, 2009 11:28 am

ااشكرك ايهااب لمرورك الطيب
دمت بخير وعافيه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالعليم المصرى

عضو موقوف
  عضو موقوف



ذكر
عدد المشاركات : 2993
العمر : 54
الدولة : مصر
مزآج : الحديث عن الوحي 1210
رقم العضوية : 000089
دولتك : الحديث عن الوحي Female31
المهنة : الحديث عن الوحي Engine10
سجل في : 08/04/2009

الحديث عن الوحي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحديث عن الوحي   الحديث عن الوحي Icon_minitimeالخميس أكتوبر 29, 2009 7:22 pm

شكرا ميرال
جزاك الله خيرا
تقبلى تحيتى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
????
زائر




الحديث عن الوحي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحديث عن الوحي   الحديث عن الوحي Icon_minitimeالخميس أكتوبر 29, 2009 11:29 pm

ااشكرك عبد الععليم لمرورك الطيب
دمت بخير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابتهالات

¤° النخـــبة °¤<
¤° النخـــبة °¤



انثى
عدد المشاركات : 8857
الدولة : السعوديه
رقم العضوية : 69
دولتك : الحديث عن الوحي Female62
المهنة : الحديث عن الوحي Unknow10
سجل في : 17/03/2009

الحديث عن الوحي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحديث عن الوحي   الحديث عن الوحي Icon_minitimeالإثنين نوفمبر 02, 2009 7:02 pm

بارك الله فيك ميرال وجعل ما قدمتي في ميزان حسناتك
تقبلي مروري
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
????
زائر




الحديث عن الوحي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحديث عن الوحي   الحديث عن الوحي Icon_minitimeالإثنين نوفمبر 02, 2009 7:12 pm

اشكرك ابتهالات لمرورك الطيب
دمتي غاليتي بخير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الحديث عن الوحي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تعرف على درجات اسناد الحديث
» علم الوراثه في الحديث
» الحديث: الحلال بين والحرام بين
» الحديث مع الرضيع (عقل ام جنون)
» مصافحة الرجل للمرأة الاجنبيه عنه هل احد منكم يعرف هذا الحديث

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتـديآت غرآم للإبـدآع :: 
~¤¢§{(¯´°•. ألأقسآم ألإسلآمية .•°`¯)}§¢¤~
 :: قسم الحديث الشريف
-
انتقل الى: