[color=blue][center]إن من الراحة ترك الاشتغال بالأعمال الشاقة والمجهدة والمتعبة والمعقدة، هذه العبارة في ظاهرها صحيحة ومنطقية تماماً ولكنها تحتوي على بذور ممتازة لاستمرار التخلف والجهل والفقر سواء بالنسبة للفرد أو للمجتمع الذي يتبنى هذه المقولة وسواء كان ذلك بشكل فكري وذهني أو بشكل عملي ، ومن يتبنى هذه المقولة يظن أنه براحته يرتاح حقاً وهو في حقيقة الأمر يعد ويهيئ نفسه لمزيد من الشقاء والتعب وفقد الراحة!
ولبيان حقيقة هذا الأمر دعونا نستعرض بعض الأمثلة من خلال المفردات التالية:
1- يحتاج الحصول على أي علم سبر أغواره ومعرفة تاريخه وعلاقته بالعلوم الأخرى وكيفية الاستفادة منه وتوظيفه في الحياة التوظيف السليم حتى يكون أداة من أدوات النمو والتقدم والرقي إلى كثير من الجهد والصبر وطول النفس وسهر الليالي والتفكير وطرح الأسئلة ومحاولة الإجابة عليها والمثابرة على ذلك، وهذا أمر شاق ومضنٍ في نفس الوقت، ولكن نتائجه على البناء النفسي والعقلي والمعرفي للفرد تكون غالباً إيجابية سواء من ناحية انشراح الصدر والإحساس بالمعنى والقيمة في الحياة الدنيا لمن يبذل هذا الجهد مع ما يرافق ذلك من الكسب المادي الطيب حيث أصبحت المعرفة والعلم في الوقت الحاضر من أهم أدوات الكسب والحصول على الرزق ، ومتى ما خلصت النية ترقب العبد الخير العظيم من الله عز وجل في الآخرة مع الرفعة بإذن الله في الدارين وقد قال تعالى :” يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ” سورة المجادلة، وقال تعالى :” مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ” سورة النحل، وهذا الجهد في مجال العلم متى ما أحسن توظيفه في مساره الصحيح كان بإذن الله عاملاً من تقدم ورقي وحضارة الفرد والمجتمع، ونلاحظ هنا من أن بذل الجهد والتعب والمشقة في الحصول على العلم كانت له نتائج إيجابية وخير عظيم لمن سلك هذا المسلك، وعلى النقيض من ذلك تماما تكون نتائج الجهل مع ما في ظاهره من الراحة، فصحيح أن الفرد لا يبذل أي جهد حتى يكون جاهلاً، ولكن نتائج الجهل تظهر غالباً عليه من خلال سماته السلوكية والشكلية وهذه السمات تظهر في مظاهر الجفاء والتخلف التي يعيش فيها، مع إحساسه النفسي العميق بتفاهته ووضاعة قيمته في الحياة،وتظهر عليه غالباً سمات الفقر والحاجة الكبيرة إلى الناس في تصريف أبسط أموره الدنيوية، وهو مع كل ذلك تافه في عين نفسه وفي أعين الناس حتى لو لم يتحدثوا بذلك .
ونجد من خلال هذه المفردات كيف أصبحت تكلفة العلم وتكلفة الجهل، إن تكلفة الجهل بسيطة ولا تحتاج إلى مجهود ولكن نتائجها على الفرد وعلى المجتمع كارثية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، بينما نجد أن مع ما في العلم من مشقة وجهد ولكن نتائجه الإيجابية على الفرد والمجتمع عظيمة وخيرها جليل.
فأيهما تفضل: الراحة أو بذل الجهد والتعب ؟ وبذل الجهد والتعب في حقيقته قمة الراحة.
2- في حال نظرنا إلى الطاعات والمعاصي نجد أن تكلفة المعاصي في الدنيا أيسر من تكلفة الطاعات حتى لو بذل العاصي للوصول إلى معصيته المال والجهد والوقت، فلو نظرنا إلى الصلاة مثلاً لوجدنا إن الصلاة تحتاج إلى الوضوء وانتظار الصلاة ومراعاة دوقح الوقت والوقوف خلف الأمام أو الإمامة والقراءة في مواضع القراءة والسكوت في مواضع السكوت والقيام بحركات الصلاة الجسدية مع ما فيها من التزام مستمر ودائم بجميع الأوقات، وترك الصلاة أيسر في ظاهره من الالتزام بالصلاة، ولكن ما النتيجة المترتبة على بذل الجهد والاستعداد والقيام بالصلاة وترك بذل الجهد لها؟
يخبرنا القرآن الكريم بالنتيجة فقد قال تعالى : ” فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الذين هم عن صلاتهم ساهون ” ، وقد قال الأمم القرطبي رحمه الله في تفسيرها بما رواه الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ هُوَ الْمُصَلِّي الَّذِي إِنْ صَلَّى لَمْ يَرْجُ لَهَا ثَوَابًا , وَإِنْ تَرَكَهَا لَمْ يَخْشَ عَلَيْهَا عِقَابًا . وَعَنْهُ أَيْضًا : الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَهَا عَنْ أَوْقَاتهَا . وَكَذَا رَوَى الْمُغِيرَة عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : سَاهُونَ بِإِضَاعَةِ الْوَقْت . وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَة : لَا يُصَلُّونَهَا لِمَوَاقِيتِهَا , وَلَا يُتِمُّونَ رُكُوعهَا وَلَا سُجُودهَا .وتم تهديدهم في تفسيره بالعذاب لهم، وفي مقابل ذلك نجد قول الله تعالى :” الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ “سورة البقرة ، وقال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى :” وأولئك هم المفلحون أَيْ الْفَائِزُونَ بِالْجَنَّةِ وَالْبَاقُونَ فِيهَا.
ونلاحظ من ذلك أن أداء الصلاة مع ما في ظاهره من مشقة وجهد ولكن عواقب أداؤها النفسية والروحية والمعنوية في الحياة الدنيا عظيمة النفع جدأ متى ما أداها الفرد على وجهها الشرعي السليم مخلصاً فيها لله عز وجل مع ما يعقب ذلك من الأجر والخير العظيم المدخر عند الله عز وجل، وعلى النقيض من ذلك نجد ترك الصلاة والتهاون في أدائها ظاهره السهولة واليسر وترك بذل الجهد ولكن عواقبه النفسية والمعنوية في الحياة الدنيا وسلبياته عظيمة مع فقد التوفيق من الله عز وجل و يتبع ذلك العقاب العظيم والوعيد بالعذاب والنار لتاركها،ولذلك نجد أن أي جهد يبذل لأداء الصلاة هو جهد بسيط إذا نظرنا للعواقب ونتائج الأمور، وأن ترك الصلاة والتهاون فيه على يسره وسهولته هو جهد شاق ومتعب وفيه تكلفة سلبية عظيمة يدفعها الفرد وجزاؤه عذاب في الدنيا والآخرة.
فأيهما تفضل: الراحة أو بذل الجهد والتعب؟ مع أن الصلاة في حقيقتها راحة وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” أرحنا بها يا بلال ”
يتبع