رؤية نقدية
حول ديوان ( إحكى وقول يا ورق ) للشاعر إبراهيم خليل إبراهيم
بقلم : رفعت عبد الوهاب المرصفى
إنه الشعر دائما فيض وإلهام روعة ورجفة منحة من الله تعالى للإنسان ومنحة من الشاعر للإنسانية (1 ) .
والشعر يراه العقاد من نفس الرحمن مُقتبسُ ويراه عبد الرحمن شكرى مرادف للوجدان فيقول :
ألا ياطائرَ الفردوسِ إن الشعرَ وجدانُ
والشعر هو الكلام الباعث للدهشة وهنا يقول الشاعر العربى القديم :
إذا الشعرُ لم يدهشْك عند سماعهِ
فليس خليقا بأن ُ يقال له شعرُ
ويؤكد نجيب سرور على هذا المعنى فيقول :
الشعر مش عامى وفصيح
الشعر لو هزّك بقى الشعر بصحيحْ
والشعر عند الشاعر الإنجليزى الكبير " وردزورث " :
" هو انسياب تلقائى للمشاعر القوية يصدر عن العواطف التى تُستعاد فى حالة سكينة وهنا يتم نوع من التأمل فى هذه المشاعر تختفى فيه تلك السكينة بالتدريج وتحل محلها عاطفة قريبة من تلك التى كانت موجودة قبل عملية التأمل حيث تحتل العاطفة الأخيرة الذهن بالكامل وهنا تبدأ كتابة الشعر العظيم عادة" ( 2) .
وبالشعر دائما يلوذ الشاعر ويحتمى من عوامل الزمن تلك العوامل التى تعمل دائما على النيل من بهائه وتعمل جاهدة على إفنائه من فوق هذه الأرض .. والشاعر دائما يحاول القبض على لحظته الإنسانية أو على جمرته قبل أن تفلت من بين يديه وهو يحاول أن يقبض على هذه اللحظة فى قصيدته وهى فى أوج تحققها وفى أتم اكتمالها ولحظة القبض هى لحظة الفرح الحقيقى للشاعر قبل أن ينغمس فى حزنه الأبدى
وللشاعر طقوس معينة حتى يتمكن من معاينة هذه اللحظة والقبض عليها بعيدا عن الغير والعزلة أهم هذه الطقوس التى تسمح له بالتهيئة الوجدانية والنفسية لاستقبال هذه اللحظة
إنها لحظة الشروق التى يتمنى الشاعر أن يدرك دهشتها فى محاولة جادة منه للقبض عليها بُغية إبقائها أطول وقت ممكن قبل أن يهاجمه الغروب الذى يعنى الفناء بالنسبة له
والشاعر كالنبى يمتلكان معا القدرة على الحلم بالمستحيل والحلم بتغيير هذا العالم كما يمتلكان معا أيضا الرغبة الجارفة فى تحقيق هذا التغيير ولذلك تدور دائما أحلام الشعراء فى فلك نبؤات الأنبياء ولكل شاعر نبوّته ونبؤته .
والشاعر إبراهيم خليل إبراهيم هو أحد الطيور الشاعرة التى تحلم بتغيير هذا العالم ويتضح ذلك جليا من خلال ديوانه ( إحكى وقول يا ورق ) .
ولنتأمل ما يقوله في مقطوعته الشعرية التى عنوانها ( ليه نعيش أغراب ) حيث يقول :
تعالوا نحضن شمسنا / نفتح لها الأبواب
ونسيب للفجر طاقة/ و نسيب للشمس باب
ونخلى الحب ينطق/ ويبدّد فى السحاب
خلى الشراقى تطرح / وينّور التراب
وتضحك السنابل / وتطرد الخراب
حبل الفراق ضعيف / وليه نعيش أغراب ؟
وهى دعوة إبراهيمية للحلم بكل ما هو جميل وبكل ما يجلب الخير لهذا العالم فطلوع الشمس وطرح الأرض الشراقى وإضاءة التراب وضحك السنابل ومطاردة الخراب كل هذه أمنيات مضيئة يحلم بها شاعرنا تهدف إلى تغيير هذا العالم إلى الأنقى والأطيب .. تلك الأمنيات ضفرها الشاعر فى صور شعرية جزئية وفى إيقاع سلس يتناسب مع بساطة الفكرة ورشاقة المضمون وما أجمل الصورة التى ينير فيها التراب وتضحك السنابل .
ويستمر حلم إبراهيم خليل إبراهيم فى تغيير هذا العالم إلى الأجمل وإلى الأمثل .. إلى المدينة الفاضلة التى تخلو من الظلم والحقد والنفاق .. مدينة تتوشح بالعدل والنور الذى يهدى هذا العالم إلى صوابه .
ولنتأمل ما يقوله شاعرنا فى مقطوعة بعنوان " الكلمة بتهدى عالم " حيث يقول مخاطبا قلمه :
باتمنى تبقى جنبى / مصباح فى سكتى
أنت اللى بيك بتكبر / وتنوّر كلمتى
كلمة بتهدى ظالم / وكلمة بتهدى عالم
وكلمة بتبقى نور / وتبدّد فى المظالم
وكأن شاعرنا بحث حوله فلم يجد إلا قلمه كى يختصّه بهذا الدور فى لحظة صافية من لحظات الأنسنة للأشياء المحيطة مما يكشف عن فطرة الإنسان وشفافيته .
ويستمر شاعرنا فى البوح إلى قلمه فى مقطوعته السابقة حيث يقول مخاطبا قلمه فى لحظة من لحظات التوحُّد والتباوح النادرة :
يا قلمى ياللى نزفك بيعرف الأمم
باصُب حزنى فيك يروح منى الألم
واحلم معاك ببكرة تاخدنى للقمم
بيك الكون بيصْحى وتبقى الضلمة نور
ونرسم بيك حياتنا والنبض فيك شعور