مختصر عن..
الحياة الاجتماعية والسياسية عند العرب قبل الإسلام
جوتيار تمر
قبل الخوض في ماهية الأوضاع والنظم الاجتماعية والسياسية عند العرب قبل الإسلام يجدر بنا الإشارة الى مفهومي النظام الاجتماعي والسياسي حتى تتوضح الأطر التي من خلالها يتم دراسة المجتمع العربي آنذاك.
النظام الاجتماعي : يطلق هذا المصطلح على أي من الأنشطة والتفاعلات الإنسانية النمطية المستقرة، ويرتبط بأحد أنماط السلوك الإنساني المقنن والذي من خلاله تتولد مجموعة من الظاهر السلوكية المترابطة.1
اما النظام السياسي : فهو نظام اجتماعي وظيفته إدارة موارد المجتمع استنادا الى سلطة مخولة له ، تحقق الصالح العام عن طريق سن وتفعيل السياسات.2
البنى الاجتماعية لدى العرب في القرن السادس قبل الميلادي ظلت ضبابية مترددة، وكأنها اقرب ما تكون الى البدو الرحل منها الى التحضر، فالانتساب الى الأب هو الأساس للأسرة دون إقامة أي حساب لاختلاف الأمهات ، وسيطرة الرجل على المرأة أمر لايخفى على احد ويتجلى في حق تعدد الزوجات ، والطلاق ،والى غير ذلك من الأمور التي تبرز قيمة الرجل ، وفي بنى الأسرة برز وعي صلة القربى والشعور ،بها كان يعطي للجماعة تماسكا قوياً، ومن هنا كانت الأهمية الكبرى المعطاة لشجرة النسب والذرية والخلف، وهذا هو الأصل في الاعتقاد بضرورة تزاوج أبناء وبنات العمومة .3
اما بشأن النظام السياسي العام فقد كانت القبيلة بتشكيلاتها وقيمها هي الأساس الذي تقوم عليه الحياة السياسية وحتى الاجتماعية فيها ايضاً، وسادت هذه القيم معظم أنحاء شبه الجزيرة العربية.4
لقد كانت للتقسيمات الاثنية مدلولاتها العميقة في الاجتماع قبل الإسلام، بحيث تؤكد المصادر التاريخية على ترسيخ المبدأ القبلي فيها بصورة جذرية ، مع أن بعض الباحثين المتأخرين لهم آراء مختلفة حول أسس هذا النظام ، حيث يرون ان الأسرة العربية بمفهومها العام كانت هي الوحدة الأساسية في النظام العربي القديم، وكان الأعم في هذا النظام اتساع رقعة بيت الأب من خلال زواج أولاده وبقائهم بقربه، وليست القبيلة ككل، ويربط هولاء النسب ورابطة الدم ،ومن ثم فان أبناء العشيرة الواحدة، إنما ينظرون الى بعضهم البعض كأبناء دم واحد.5
ويرى هولاء أيضا انه مع كثرة أبناء القبيلة الواحدة، واتساع حركتها الرعوية تنفتح أكثر على القبائل الأخرى، ويعتبر هذا تميزاً اجتماعياً وسياسياً من حيث العلاقات، مع عدم الإغفال أن مثل هذا الانفتاح نتج عنه نظام الطبقات الاجتماعية في القبيلة الواحدة ، حيث عُد ذلك من ناحية أخرى مظهراً من مظاهر التخلف.6
من خلال هذه المعلومات التي أوردناها حول النظام الاجتماعي والسياسي الذي نجدهما يتداخلان ولا يختلفان كثيراً عن بعضهما لابد وان نعطي فكرة عن القبيلة وما تمتاز به.
من أهم مظاهر الحكم في المجتمع العربي القبلي قبل الإسلام الرئاسة، حيث كانت قاعدة الحكم عند أهل الوبر ، ويقابلها الملكية عند أهل المدر ،7 ولرئيس اية قبيلة امتيازات تميزه عن سائر رجالها، تبدأ بالبيت الكبير المكون من خيمة ضخمة، يجتمع فيها سادات القوم، وخيم اخرى خاصة بحريمه، حيث امتاز رئيس القبيلة بكثرة نسائه، بالأخص الصغيرات السن، لينجب منهن اولاداً يكونوا حصناً له.8
ومع أن مفهوم رئاسة القبيلة شائع إلا انه لاتوجد نصوص جاهلية ولا روايات اهل الأخبار ما تورد الشروط اللازمة في رئيس القبيلة ، ولا حتى عن كونها وراثية ، ولكن الوراثة جاءت لكون جميع الرئاسات كانت كذلك عند العرب.9
العرب كانت تسود على أشياء ، ذكر أهل الأخبار مثلا مضر كانت تسود ذا رأيها ، وربيعة من اطعم طعامها ، واليمن على النسب ،9 .
ومن اعرف الحكم عند القبائل العربية ، أن سيد القبيلة يستمد رأيه من رأي أشراف قبيلته ، لكنها كانت مجرد مشورة وغير ملزمة ، حيث شخصية رئيس القبيلة هنا كانت لها دروها.10
وقد لعب النسب الذي عد جرثومة العصبية واساها دورا كبيرا في الحياة السياسية والاجتماعية عند العرب ، ولهذا حرص العربي على حفظ نسبه ولا يزال يحرص عليه، والنسب حسب رأي أهل اللغة : القرابة ، او هو في الآباء خاصة ، والبيت هو الأب ، ولما كان المجتمع مجتمع بيوت ، صار النظام فيه نظاماً ابوياً ، وبما ان القبيلة ايضا في عرف اللغة تُعد من أب واحد ، إذا فهي مجموعة من الناس تضم طوائف اصغر منها وهي تنتمي كلها الى أصل واحد وجذر راسخ لها نسب مشترك متصل بأب واحد.11
لذا أطلق أهل الأخبار والأنساب اسم القبيلة حتى على أهل الحضر ، مثل قريش ، واوس والخزرج وغيرهما ، ويلاحظ ان الشعوب السامية تشارك العرب في هذه النظرة لأن نظامها الاجتماعي كان قائما على القبيلة.13
وهذا ماخلق النظام المتماسك داخل القبيلة التي كانت أقوى روابطها الدم ، والمؤدية الى العصبية التي عدت أهم ركائز القبيلة، وقد قسم النويري النظام القبلي الى عشر طبقات عند العرب الجذم هو الأصل وهو قحطان وعدنان ، ثم الجماهير ، الشعوب ، القبيلة ، العمائر ، البطون ، الأفخاذ ، العشائر ، الفصائل ، الرهط "الرجل وأسرته")، وهذا ما ألزم وعمق معاني العصبية فيهم فكان الرجل ، او القبيلة تقوم بنصرة عصبته والتألب معهم سواء أكانت ظالمة ام مظلومة ، مما جعل النظام العصبي يرافق أهل المدر حتى عندما تحضروا واستقروا في بيوت ثابتة ، وقد قال احد الشعراء في ذلك :
لايسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ماقال برهان 14
ولم تمنع العصبية بطون القبيلة من مخاصمة بعضها البعض، والقبائل فيما بينها ، بسبب المصالح التي كانت تغلب حتى على عاطفة النسب، حيث كانت من مظاهر العصبية الحمية : وهي تعني الأنفة ، والغيرة ، والغضب ، وكذلك النعرة : التي تعني الصياح ، ومناداة القوم طلبا للغوث ، او لتجمعهم في الحرب .15
وقد ساد في المجتمع العربي الجاهلي الأحلاف ومن ماذكره أهل الأخبار (حلف المحرقين ) او المحاشن ، وبرزت بين القبائل المتحالفة عصبية قوية ، وهناك أيضا حلف المطيبين وحلف الفضول.16
ومن الأعراف ذات الأبعاد السياسية والاجتماعية الخطيرة ،التي كانت تسود الاجتماع العربي الأخذ بالثأر (الدم لايغسل إلا بالدم )، حيث شكلت هذه الظاهرة إحدى أهم معالم النظام الاجتماعي لديهم ، وكانت ذات تأثير حتى على السياسة العامة ، حتى بعد مجيء الإسلام .17
ولقد واجهت القبيلة قبل الإسلام مشاكل وظروف عصيبة كثيرة منها النزاعات المستمرة والاقتتال الدائم لأسباب عديدة ، تافهة أحيانا ،ولعل أبرزها مشاكل الحدود التي لم تكن ثابتة.18
كما ان النظام الطبقي وجد في الاجتماع العربي والمفاخرة باللون ، والنسب ، ومما يجدر الإشارة إليه هو أن كل رئيس قبيلة كان يرى في نفسه سلطة مستقلة عن القبائل الأخرى حتى داخل المدينة الواحدة، كما في مكة.19
المصادر والمراجع:
__________________
1- جمال سلامة ، النظام السياسي والبناء الاجتماعي.
2- جمال سلامة ، النظام السياسي والحكومات الديمقراطية.
3-نيكتيا ايليسيف ، الشرق الإسلامي في العصر الوسيط.
4- هاشم يحيى الملاح ، الوسيط في تاريخ العرب قبل الإسلام.
5-جواد العلي ، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام.
6-صابر عبدا لرحمن طعيمة ، الإسلام في العهد المدني والخصومات القديمة المتجددة.
7-العلي ، المرجع السابق.
8-المرجع نفسه.
9-المرجع نفسه.
10-النويري ، نهاية الأدب في فنون الأدب ، ج2
11-المصدر نفسه.
12-العلي ، المرجع السابق.
13-المرجع نفسه.
14-النويري ، المصدر السابق.
15-الملاح ، المرجع السابق.
16-العلي ، المرجع السابق.
17- مطالبة معاوية بني ابي سفيان بعد مقتل الخليفة عثمان ، بالثأر ، والاقتصاص ، الطبري ، تاريخ الطبري ؛ ابن الاثير ، الكامل في التاريخ ؛ ابن العربي ، العواصم من القواصم.
18-العلي ، المرجع السابق.
19-طعيمة ، المرجع السابق